بَابُ المراقبة
60- وأَمَّا الأحاديثُ ، فالأَوَّلُ : عَنْ عُمرَ بنِ الخطابِ ،
رضيَ اللَّهُ عنه ، قال: «بَيْنما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْد رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم ، ذَات يَوْمٍ إِذْ طَلع عَلَيْنَا رجُلٌ شَديدُ بياضِ الثِّيابِ ، شديدُ
سوادِ الشَّعْر ، لا يُرَى عليْهِ أَثَر السَّفَرِ ، ولا يَعْرِفُهُ منَّا أَحدٌ ،
حتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَسْنَدَ
رَكْبَتَيْهِ إِلَى رُكبَتيْهِ ، وَوَضع كفَّيْه عَلَى فخِذيهِ وقال : يا محمَّدُ
أَخبِرْنِي عن الإسلام فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :
الإِسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ
مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤتِيَ الزَّكاةَ ، وتصُومَ
رَمضَانَ ، وتحُجَّ الْبيْتَ إِنِ استَطَعتَ إِلَيْهِ سَبيلاً.
قال : صدَقتَ . فَعجِبْنا لَهُ يسْأَلُهُ ويصدِّقُهُ ، قَالَ :
فَأَخْبِرْنِي عن الإِيمانِ . قَالَ: أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ وملائِكَتِهِ ، وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ ،
والْيومِ الآخِرِ ، وتُؤمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ .
قال: صدقْتَ قال : فأَخْبِرْنِي عن الإِحْسانِ . قال
: أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَراهُ . فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ
فإِنَّهُ يَراكَ قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عن السَّاعةِ . قَالَ :
مَا المسْؤُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ . قَالَ : فَأَخْبرْنِي عَنْ أَمَاراتِهَا . قَالَ
أَنْ تلدَ الأَمَةُ ربَّتَها ، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ الْعُراةَ
الْعالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتَطاولُون في الْبُنيانِ ثُمَّ انْطلَقَ ، فلبثْتُ ملِيًّا ، ثُمَّ قَالَ : يا عُمرُ ، أَتَدرِي منِ السَّائِلُ قلتُ : اللَّهُ ورسُولُهُ أَعْلمُ قَالَ :
فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعلِّمُكم دِينِكُمْ »
رواه مسلمٌ.
ومعْنَى : « تلِدُ الأَمةُ ربَّتَهَا» أَيْ :
سيِّدتَهَا ، ومعناهُ أَنْ تكْثُرَ السَّرارِي حتَّى تَلد الأمةُ السرِّيةُ بِنتاً
لِسيدهَا ، وبْنتُ السَّيِّدِ في معنَى السَّيِّدِ ، وقِيل غيرُ ذَلِكَ و
« الْعالَةُ » :
الْفُقراءُ . وقولُهُ « مَلِيًّا » أَيْ
زمناً طويلاً ، وكانَ ذلك ثَلاثاً .
61- الثَّاني : عن أبي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادةَ ، وأبي عبْدِ
الرَّحْمنِ مُعاذِ بْنِ جبل رضيَ اللَّه عنهما ، عنْ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ
تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ » رواهُ
التِّرْمذيُّ وقال : حديثٌ حسنٌ .
62- الثَّالثُ : عن ابنِ عبَّاسٍ ، رضيَ اللَّه عنهمَا ، قال :
« كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً فَقال
: « يَا غُلامُ إِنِّي أُعلِّمكَ كَلِمَاتٍ : « احْفَظِ اللَّهَ
يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَل اللَّه
، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، واعلَمْ : أَنَّ الأُمَّةَ لَو
اجتَمعتْ عَلَى أَنْ ينْفعُوكَ بِشيْءٍ ، لَمْ يَنْفعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَد
كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ ، لَمْ
يَضُرُّوكَ إِلاَّ بَشَيْءٍ قد كَتَبَهُ اللَّه عليْكَ ، رُفِعَتِ الأقْلامُ ،
وجَفَّتِ الصُّحُفُ».
رواهُ التِّرمذيُّ وقَالَ : حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ
.
وفي رواية غيرِ التِّرْمِذيِّ : « احفظَ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ في
الرَّخَاءِ يعرِفْكَ في الشِّدةِ ، واعْلَمْ أَنّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ
لِيُصيبَك ، وَمَا أَصَابَكَ لمْ يَكُن لِيُخْطِئَكَ واعْلَمْ أنّ النَّصْرَ مَعَ
الصَّبْرِ ، وأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْب ، وأَنَّ مَعَ الْعُسرِ يُسْراً »
.
63- الرَّابعُ : عنْ أَنَس رضي اللَّهُ عنه قالَ : « إِنَّكُمْ لَتَعْملُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ
الشَّعَرِ ، كُنَّا نَعْدُّهَا عَلَى عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم مِنَ الْمُوِبقاتِ » رواه
البخاري . وقال : « الْمُوبِقَاتُ »
الْمُهْلِكَاتُ .
64- الْخَامِس : عَنْ أبي هريْرَةَ ، رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى ، أنْ
يَأْتِيَ الْمَرْءُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ » متفقٌ
عليه .
و « الْغَيْرةُ » بفتح
الغين : وَأَصلهَا الأَنَفَةُ .
65- السَّادِسُ : عَنْ أبي هُريْرَةَ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ سمِع
النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « إِنَّ ثَلاَثَةً مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ : أَبْرَصَ ، وأَقْرَعَ ،
وأَعْمَى ، أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعث إِلَيْهِمْ مَلَكاً ، فأَتَى
الأَبْرَصَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حسنٌ،
وَجِلْدٌ حَسَنٌ ، ويُذْهَبُ عنِّي الَّذي قَدْ قَذَرنِي النَّاسُ ، فَمَسَحهُ
فذَهَب عنهُ قذرهُ وَأُعْطِيَ لَوْناً حَسناً . قَالَ : فَأَيُّ الْمالِ أَحَبُّ
إِلَيْكَ ؟ قال : الإِبلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ الرَّاوِي
فأُعْطِيَ نَاقَةً عُشرَاءَ ، فَقَالَ : بارَك اللَّهُ لَكَ فِيها
.
فأَتَى الأَقْرعَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحب إِلَيْكَ ؟ قال : شَعْرٌ
حسنٌ ، ويذْهبُ عنِّي هَذَا الَّذي قَذِرَني النَّاسُ ، فَمسحهُ عنْهُ . أُعْطِيَ
شَعراً حسناً . قال فَأَيُّ الْمَالِ . أَحبُّ إِلَيْكَ ؟ قال : الْبَقرُ ،
فأُعِطيَ بقرةً حامِلاً ، وقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا
.
فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قال :
أَنْ يرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَري فَأُبْصِرَ النَّاسَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ
اللَّهُ إِلَيْهِ بصَرَهُ . قال : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِليْكَ ؟ قال :
الْغنمُ فَأُعْطِيَ شَاةً والِداً فَأَنْتجَ هذَانِ وَولَّدَ هَذا ، فكَانَ لِهَذَا
وَادٍ مِنَ الإِبِلِ ، ولَهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ ، وَلَهَذَا وَادٍ مِنَ
الْغَنَم .
ثُمَّ إِنَّهُ أتَى الأْبرص في صورَتِهِ وَهَيْئتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ
مِسْكينٌ قدِ انقَطعتْ بِيَ الْحِبَالُ في سَفَرِي ، فَلا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ
إِلاَّ باللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ ،
والْجِلْدَ الْحَسَنَ ، والْمَالَ ، بَعيِراً أَتبلَّغُ بِهِ في سفَرِي ، فقالَ :
الحقُوقُ كَثِيرةٌ . فقال : كَأَنِّي أَعْرفُكُ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرصَ يَقْذُرُكَ
النَّاسُ ، فَقيراً ، فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ، فقالَ : إِنَّما وَرثْتُ هَذا المالَ
كَابراً عَنْ كابِرٍ ، فقالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّركَ اللَّهُ إِلى مَا
كُنْتَ .
وأَتَى الأَقْرَع في صورتهِ وهيئَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ مِـثْلَ ما قَالَ
لهذَا ، وَرَدَّ عَلَيْه مِثْلَ مَاردَّ هَذَّا ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِباً
فَصَيّرَكَ اللهُ إِليَ مَاكُنْتَ .
وأَتَى الأَعْمَى في صُورتِهِ وهَيْئَتِهِ ، فقالَ : رَجُلٌ مِسْكينٌ
وابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ في سَفَرِي ، فَلا بَلاغَ لِيَ
اليَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بالَّذي رَدَّ عَلَيْكَ بصرَكَ
شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفَرِي ؟ فقالَ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ
إِلَيَّ بَصري ، فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدعْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ ما أَجْهَدُكَ
الْيَوْمَ بِشْيءٍ أَخَذْتَهُ للَّهِ عزَّ وجلَّ . فقالَ : أَمْسِكْ مالَكَ
فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رضيَ اللَّهُ عنك ، وَسَخَطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ
» متفقٌ عليه .
« وَالنَّاقةُ الْعُشَرَاءُ » بِضم
العينِ وبالمدِّ : هِيَ الحامِلُ . قولُهُ : « أَنْتجَ » وفي
روايةٍ : «فَنَتَجَ » معْنَاهُ
: تَوَلَّى نِتَاجَهَا ، والنَّاتجُ للنَّاقةِ كالْقَابِلَةِ لَلْمَرْأَةِ .
وقولُهُ: « ولَّدَ هَذا » هُوَ
بِتشْدِيدِ اللام : أَيْ : تَولَّى وِلادَتهَا ، وهُوَ بمَعْنَى نَتَجَ في
النَّاقَةِ . فالمْوَلِّدُ ، والناتجُ ، والقَابِلَةُ بمَعْنى ، لَكِنْ هَذا
للْحَيَوانِ وذاكَ لِغَيْرِهِ . وقولُهُ : « انْقَطَعَتْ بِي الحِبالُ » هُوَ
بالحاءِ المهملة والباءِ الموحدة : أَي الأَسْبَاب . وقولُه : « لا أَجهَدُكَ » معناهُ :
لا أَشَقُّ عليْك في رَدِّ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ أَوْ تَطْلُبُهُ مِنْ مَالِي . وفي
رواية البخاري : « لا أَحْمَدُكَ » بالحاءِ
المهملة والميمِ ، ومعناهُ : لا أَحْمَدُكَ بِتَرْك شَيْءٍ تَحتاجُ إِلَيْهِ ، كما
قالُوا : لَيْسَ عَلَى طُولِ الحياةِ نَدَمٌ أَيْ عَلَى فَوَاتِ طُولِهَا
.
66- السَّابِعُ : عَنْ أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ رضي اللَّه عنه
عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ ،
وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا ، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني
» رواه التِّرْمِذيُّ وقالَ حديثٌ حَسَنٌ
قال التِّرْمذيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَى
« دَانَ نَفْسَه » :
حَاسَبَهَا .
67- الثَّامِنُ : عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنهُ قال : قالَ
رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالاَ يَعْنِيهِ
» حديثٌ حسنٌ رواهُ التِّرْمذيُّ وغيرُهُ .
68- التَّاسعُ : عَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فيمَ ضَربَ امْرَأَتَهُ » رواه أبو
داود وغيرُه .