23- باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر
184- فالأَوَّلُ : عن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي اللَّه عنه قال :
سمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ : « مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكراً فَلْيغيِّرْهُ بِيَدهِ ، فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطعْ فبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلبهِ وَذَلَكَ أَضْعَفُ
الإِيمانِ » رواه مسلم
.
185- الثَّاني : عن ابنِ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «مَا مِنَ نَبِيٍّ بعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كان لَه
مِن أُمَّتِهِ حواريُّون وأَصْحَابٌ يَأْخذون بِسُنَّتِهِ ويقْتدُون بأَمْرِه،
ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَالاَ يفْعلُونَ ،
ويفْعَلُون مَالاَ يُؤْمَرون ، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ
جاهدهم بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ ،
وليس وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ » رواه مسلم
.
186- الثالثُ : عن أَبي الوليدِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي اللَّه
عنه قال : « بايعنا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على السَّمعِ
والطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ ، وَعلى أَثَرَةٍ
عَليْنَا، وعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا
كُفْراً بَوَاحاً عِنْدكُمْ مِنَ اللَّه تعالَى فيه بُرهانٌ ، وعلى أن نقول بالحقِّ
أينَما كُنَّا لا نخافُ في اللَّه لَوْمةَ لائمٍ » متفقٌ
عليه .
« المنْشَط والمَكْره » بِفَتْحِ
مِيميهما : أَيْ : في السَّهْلِ والصَّعْبِ . « والأَثَرةُ :
الاخْتِصاصُ بالمُشْتَرك ، وقَدْ سبقَ بيَانُها . « بوَاحاً » بفَتْح
الْبَاءِ المُوَحَّدة بعْدَهَا وَاوثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ حاء مُهْمَلَةٌ أَيْ
ظَاهِراً لاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً .
187- الرَّابع : عن النعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما عن النبيِّ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه ، والْوَاقِعِ فيها كَمَثَلِ قَومٍ
اسْتَهَمُوا على سفينةٍ فصارَ بعضُهم أعلاهَا وبعضُهم أسفلَها وكانَ الذينَ في
أسفلها إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا :
لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصَيبِنا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ
تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعاً ، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم
نَجوْا ونجوْا جَمِيعاً » . رواهُ
البخاري .
القَائمُ في حُدودِ اللَّه تعَالى » مَعْنَاهُ
: المُنْكِرُ لها ، القَائمُ في دفعِهَا وإِزالَتِهَا والمُرادُ بِالحُدودِ : مَا
نهى اللَّه عَنْهُ : «اسْتَهَمُوا » :
اقْتَرعُوا .
188- الخامِسُ : عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَة هِنْدٍ بنتِ
أَبِي أُمَيَّةَ حُذيْفَةَ رضي اللَّه عنها ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم أنه قال : « إِنَّهُ يُسْتَعْملُ عَليْكُمْ أُمَراءُ فَتَعْرِفُونَ وتنُكِرُونَ
فَمِنْ كَرِه فقَدْ بَرِىءَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ منْ رَضِيَ
وَتَابَعَ » قالوا
: يا رَسُولَ اللَّه أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ
: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاَةَ » رواه مسلم
.
مَعْنَاهُ : مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ ولَمْ يَسْتطِعْ إنْكَاراً
بِيَدٍ وَلا لِسَانٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الإِثمِ وَأَدَّى وَظِيفَتَهُ ، ومَنْ
أَنْكَرَ بَحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ المعصيةِ ، وَمَنْ رَضِيَ
بِفِعْلِهمْ وتابعهم ، فَهُوَ العَاصي .
189- السَّادسُ : عن أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ
جحْشٍ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ
عَلَيْهَا فَزعاً يقُولُ : « لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه ، ويْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتربَ ،
فُتحَ الْيَوْمَ مِن ردْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ » وَحَلَّقَ
بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا . فَقُلْتُ: يَا رسول اللَّه أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحُونَ ؟ قال :
« نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ » متفقٌ
عليه .
190- السَّابعُ : عنْ أَبِي سَعيد الْخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه عن
النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطرُقاتِ » فقَالُوا
: يَا رسَولَ اللَّه مَالَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ ، نَتحدَّثُ فِيهَا
، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ
حَقَّهُ» قالوا:
ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يا رسولَ اللَّه ؟ قال
: « غَضُّ الْبَصَر ، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ ، وَالأَمْرُ
بالْمعْروفِ ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرَ » متفقٌ عليه
.
191- الثَّامنُْ : عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رأى خَاتماً مِنْ ذَهَبٍ في يَد رَجُلٍ ، فَنَزعَهُ
فطَرحَهُ وقَال : « يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيجْعلهَا في يَدِهِ
، » فَقِيل
لِلرَّجُل بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
: خُذْ خَاتمَكَ ، انتَفعْ بِهِ . قَالَ
: لا واللَّه لا آخُذُهُ أَبَداً وقَدْ طَرحهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم . رواه مسلم
.
192- التَّاسِعُ : عَنْ أَبِي سعيدٍ الْحسنِ البصْرِي أَنَّ عَائِذَ بن
عمْروٍ رضي اللَّه عنه دخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بن زيَادٍ فَقَالَ : أَيْ بن
زيَادٍ فَقَالَ : أَيْ بنيَّ ، إِنِّي سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
يَقولُ :
« إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطَمَةُ »
فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ . فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ فَإِنَّمَا
أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقال :
وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي
غَيرِهِمْ ، رواه مسلم
.
193- الْعاشرُ : عَنْ حذيفةَ رضي اللَّه عنه أَنَّ النبي صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمعرُوفِ ،
ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعثَ عَلَيْكمْ
عِقَاباً مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجابُ لَكُمْ » رواه
الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
194- الْحَادي عشَرَ : عنْ أَبِي سَعيد الْخُدريِّ رضي اللَّه عنه عن
النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عندَ سلْطَانٍ جائِرٍ
» رواه أبو داود ، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ
.
195- الثَّاني عَشَر : عنْ أَبِي عبدِ اللَّه طارِقِ بنِ شِهابٍ
الْبُجَلِيِّ الأَحْمَسِيِّ رضي اللَّه عنه أَنَّ رجلاً سأَلَ النَّبِيَّ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وقَدْ وَضعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ : أَيُّ الْجِهادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ :
«كَلِمَةُ حقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِر » رَوَاهُ
النسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ .
« الْغَرْز » بِعَيْنٍ
مُعْجَمةٍ مَفْتُوحةٍ ثُمَّ راءٍ ساكنة ثم زَاي ، وَهُوَ ركَابُ كَورِ الْجمَلِ
إِذَا كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ ، وَقِيلَ : لاَ يَخْتَصُّ بِجِلدٍ وَخَشَبٍ
.
196- الثَّالِثَ عشَرَ : عن ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه قال : قال
رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه
كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّق اللَّه وَدعْ مَا
تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لك ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ
، فلا يمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقعِيدَهُ ، فَلَمَّا
فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّه قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ » ثُمَّ قال
: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ بنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ
داوُدَ وعِيسَى ابنِ مَرْيمِ ذلِك بما عَصَوْا وكَانوا يعْتَدُونَ ، كَانُوا لا
يَتَنَاهَوْنَ عنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعلُون صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم تَرى كثِيراً مِنْهُمُ يَتَوَلَّوْنَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ
مَا قَدَّمتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ }
إلى قوله : { فَاسِقُونَ } [
المائدة : 78، 81 } ثُمَّ قَالَ : « كَلاَّ ، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ ، وَلَتَنْهوُنَّ عَنِ
الْمُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، ولَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى
الْحَقِّ أَطْراً ، ولَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ
اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ »
رواه أبو داود، والترمذي وقال : حديث حسن .
197- الرَّابعَ عَشَر : عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق ، رضي اللَّه عنه .
قال : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تقرءونَ هَذِهِ الآيةَ
: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا علَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا
يَضُرُّكُمْ منْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة
: 105 ] وإِني سَمِعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ :
« إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى
يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ » رواه أبو
داود ، والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة .
24- باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف
أو نهى عن منكر وخالف قولُه فِعله
198- وعن أَبي زيدٍ أُسامة بْنِ حَارثَةَ ، رضي اللَّه عنهما ، قال :
سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « يُؤْتَـى بالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيامةِ فَيُلْقَى في النَّار ،
فَتَنْدلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في
الرَّحا ، فَيجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّار فَيَقُولُونَ : يَا فُلانُ مَالَكَ
؟ أَلَمْ تَكُن تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ :
بَلَى ، كُنْتُ آمُرُ بالمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيه ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ
وَآَتِيهِ » متفق عليه
.
قولُهُ : « تَنْدلِقُ » هُوَ
بالدَّالِ المهملة ، وَمَعْنَاهُ تَخْرُجُ . و « الأَقْتابُ » :
الأَمْعَاءُ ، واحِدُهَا قِتْبٌ .