النجاسة
النجاسة هي القذارة التي يجب على المسلم أن
ينتزه عنها ويغسل ما أصابه منها . قال الله تعالى : ( وثيابك فطهر ) وقال تعالى : (
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
الطهور شطر الايمان ) . ولها مباحث نذكرها فيما يلي : أنواع النجاسات ( 1
)
( 1 ) الميتة
: وهي
ما مات حتف أنفه : أي من غير تذكية ( 2 ) ، ويلحق بها ما قطع من الحي ، لحديث أبي
واقد الليثي . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما قط من البهيمة وهي حية فهو
ميتة ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه ، قال : والعمل على هذا عند أهل العلم
.
( 1 )
النجاسة اما أن تكون حسية مثل البول والدم ، واما أن تكون حكمية كالجنابة . ( 2 )
أي من غير ذبح شرعي ، ذكى الشاة : أي ذبحها . ( . )
ويستثنى من ذلك
:
1 - ميتة السمك
والجراد
، فإنها طاهرة ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أحل لنا ميتتان ودمان : أما الميتتان فالحوت ( 3 ) والجراد ، وأما الدمان
فالكبد والطحال ) رواه أحمد والشافعي وابن ماجة والبيهقي والدار قطني ، والحديث
ضعيف ، لكن الامام أحمد صحح وقفه ، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم ، ومثل هذا له حكم
الرفع ، لان قول الصحابي : أحل لنا كذا وحرم علينا كذا . مثل قوله : أمرنا ونهينا ،
وقد تقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في البحر : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )
.
( 3 ) (
الحوت ) السمك . ( . )
ب - ميتة ما
لا دم له سائل كالنمل والنحل ونحوها ، فإنها طاهرة إذا وقعت في شئ وماتت فيه لا تنجسه
.
قال ابن المنذر : لا أعلم خلافا في طهارة ما ذكر إلا ما روي عن الشافعي
والمشهور من مذهبه أنه نجس ، ويعفى عنه إذا وقع في المائع ما لم يغيره . ح - عظم
الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها وجلدها ، وكل ما هو من جنس ذلك طاهر ، لان
الاصل في هذه كلها الطهارة ، ولا دليل على النجاسة . قال الزهري : في عظام الموتى
نحو الفيل وغيره : أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها ، لا يرون
به بأسا ، رواه البخاري ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تصدق على مولاة
لميمونة بشاة فماتت ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( وهلا أخذتم
إهابها فدبغتموه فانتفعم به ؟ . فقالوا : إنها ميتة ، فقال : ( إنما حرم أكلها )
رواه الجماعة إلا أن ابن ماجة قال فيه : عن ميمونة ، وليس في البخاري ولا النسائي
ذكر الدباغ ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ هذه الاية : ( قل لا أجد فيما
أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ( 1 ) ) إلى آخر الاية ، وقال :
إنما حرم ما يؤكل منها وهو اللحم ، فأما الجلد والقد ( 2 ) والسن والعظم والشعر
والصوف فهو حلال ) ، رواه ابن المنذر وابن حاتم . وكذلك أنفحة الميتة ولبنها طاهر ،
لان الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس ، وهو يعمل بالانفحة ، مع
أن ذبائحهم تعتبر كالميتة ، وقد ثبت عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه سئل عن شئ
من الجبن والسمن والفراء ، فقال : الحلال ما أحله الله في كتابه ، والحرام ما حرم
الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه . ومن المعلوم أن السؤال كان عن جبن
المجوس ، حينما كان سلمان ائب عمر بن الخطاب على المدائن
.
( 1 ) سورة الانعام : 145 . (
2 ) ( القد ) بكسر القاف : إناء من جلد ا ه . قاموس . ( . )
( 2 ) الدم : سواء كان دما مسفوحا - أي
مصبوبا - كالدم الذي يجري من المذبوح ، أم دم حيض ، إلا أنه يعفى عن اليسير منه ،
فعن ابن جريج في قوله تعالى : ( أو دما مسفوحا ) قال : المسفوح الذي يهراق . ولا
بأس بما كان في العروق منها ، أخرجه ابن المنذر ، وعن أبي مجلز في الدم ، يكون في
مذبح الشاة أو الدم يكون في أعلى القدر ؟ قال : لا بأس ، إنما نهى عن الدم المسفوح
، أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نأكل اللحم
والدم خطوط على القدر ، وقال الحسن : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم ، ذكره
البخاري ، وقد صح أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه ينعب دما ( 1 ) ، قاله الحافظ في
الفتح : وكان أبو هريرة رضي الل هعنه لا يرى بأسا بالقطرة والقطرتين في الصلاة .
وأما دم البراغيث وما يتشرح من الدمامل فإنه يعفى عنه لهذه الاثار وسئل أبو مجلز عن
القيح يصيب البدن والثوب ؟ فقال : ليس بشئ ، وإنما ذكر الله الدم ولم يذكر القيح .
وقال ابن تيمية : ويجب غسل الثوب من المدة والقيح . والصديد ، قال : ولم يقم دليل
على نجاسته ، انتهى والاولى أن يتقيه الانسان بقدر الامكان .
( 3 ) لحم الخنزير
: قال
الله تعالى : ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو
دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس ( 2 ) ) : أي فإن ذلك كله خبيث تعافه الطباع
السليمة ، فالضمير راجع إلى الانواع الثلاثة ، ويجوز الحرز بشعر الخنزير في أظهر
قولي العلماء .
( 4 ، 5 ، 6 ) قئ الادمي وبوله ورجيعه : ونجاسة هذه الاشياء متفق
عليها ، إلا أنه يعفى عن يسير القئ ويخفف في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام فيكتفى
في تطهيره بالرش لحديث أم قيس رضي الله عنها ( أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم
بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام ، وأن ابنها ذاك بال في حجر النبي صلى الله عليه
وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله
( 1 ) (
ينعب ) أي يجري . ( 2 ) ( الرجس ) النجس الاية بعض من آية 145 من سورة الانعام . (
. )
عليه وسلم بماء فنضحه ( 1 ) على ثوبه ولم يغسله
غسلا ) متفق عليه ، وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
بول الغلام ينضح عليه ، وبول الجارية يغسل ) قال قتادة : وهذا ما لم يطعما فإن طعما
غسل بولهما ، ورواه أحمد - وهذا لفظه - وأصحاب السنن إلا النسائي . قال الحافظ في
الفتح : وإسناده صحيح ، ثم أن النضح إنما يجزئ مادام الصبي يقتصر على الرضاع . أما
إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف . ولعل سبب الرخصة في
الاكتفاء بنضحه ولوع الناس بحمله المفضي إلى كثرة بوله عليهم ، ومشقة غسل ثيابهم ،
فخفف فيه ذلك .
( 1 )
والنضح : أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء ، وتردده تقاطره ، وهو
المراد بالرش في الروايات الاخرى . ( . )
( 7 ) الودي : وهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد
البول وهو نجس من غير خلاف . قالت
عائشة : وأما الودي فإنه يكون بعد البول فيغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ولا
يغتسل ، ورواه ابن المنذر . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المني والودي والمذي ،
أما المني ففيه الغسل ، وأما المذي والودي فيهما إسباغ الطهور ) رواه الاثرم
والبيهقي ولفظه : ( وأما الودي والمذي فقال : اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك في
الصلاة ) .
( 8 ) المذي : وهو ماء أبيض لزج يخرج عند
التفكير في الجماع أو عند الملاعبة ، وقد لا يشعر الانسان بخروجه ، ويكون من الرجل
والمرأة إلا أنه من المرأة أكثر ، وهو نجس باتفاق العلماء ، إلا أنه إذا أصاب البدن
وجب غسله وإذا أصاب الثوب اكتفي فيه بالرش بالماء ، لان هذه نجاسة يشق الاحتراز
عنها ، لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب ، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام . وعن
علي رضي الله عنه قال : ( كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه
وسلم ، لمكان ابنته فسأل ، فقال : توضأ واغسل ذكرك ) رواه البخاري وغيره ، وعن سهل
بن حنيف رضي الله عنه قال : ( كنت ألقى من المذي شدة وعناء ، وكنت أكثر منه
الاغتسال ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنما يجزيك من ذلك
الوضوء فقلت يا رسول الله ، كيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال ( يكفيك أن تأخذ كفا من
ماء فتنضح به ثوبك حيث أنه قد أصاب منه ) رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال
حديث حسن صحيح وفي الحديث محمد بن إسحاق ، وهو ضعيف إذا عنعن ، لكونه مدلسا ، لكنه
هنا صرح بالتحديث . ورواه الاثرم رضي الله عنه بلفظ : ( كنت ألقى من المذي عناء
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك . فقال : يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء
فترش عليه . )
( 9 ) المني : ذهب بعض العلماء إلى القول
بنجاسته والظاهر أنه طاهر ، ولكن يستحب غسله إذا كان رطبا ، وفركه إن كان يابسا .
قالت عائشة رضي الله عنها : ( كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا ) رواه الدار قطني وأبو عوانة والبزار وعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب ؟
فقال : إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة )
رواه الدار قطني والبيهقي والطحاوي ، والحديث قد اختلف في رفعه ووقفه
.
( 10 ) بول وروث ما لا يؤكل لحمه : وهما نجسان ،
لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط ، فأمرني
أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدت حجرين ، والتمست الثالث فلم أجده ، فأخذت روثة فأتيته
بها ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : ( هذا رجس ) رواه البخاري وابن ماجة وابن
خزيمة ، وزاد في رواية ( إنها ركس ( 1 ) إنها روثة حمار ) ويعفى عن اليسير منه ،
لمشقة الاحتراز عنه . قال الوليد بن مسلم : قلت للاوزاعي : فأبوال الدواب مما لا
يؤكل لحمه كالبغل ، والحمار
( 1 ) (
انها ركس ) : الركس النجس . ( . )
والفرس ؟ فقال : قد كانوا يبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد أو
ثوب . وأما بول وروث ما يؤكل لحمه ، فقد ذهب إلى القول بطهارته مالك وأحمد وجماعة
من الشافعية . قال ابن تيمية : لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته ، بل
القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة . انتهى . قال أنس رضي الله عنه : (
قدم أناس من عكل أو عريته ( 1 ) فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها ) رواه أحمد والشيخان دل هذا الحديث على
طهارة بول الابل . وغيرها من مأكول اللحم يقاس عليه . قال ابن المنذر : ومن زعم أن
هذا خاص بأولئك الاقوام لم يصب ، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل قال : وفي ترك أهل
العلم بيع بعار الغنم في أسواقهم ، واستعمال أبوال الابل في أدويتهم قديما وحديثا
من غير نكير ، دليل على طهارتها . وقال الشوكاني : الظاهر طهارة الابوال والازبال
من كل حيوان يؤكل لحمه ، تمسكا بالاصل ، واستصحابا للبراءة الاصلية ، والنجاسة حكم
شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الاصل والبراءة ، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل
يصلح للنقل عنهما ، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا لذلك .
( 1 ) (
عكل وعرينة ) بالتصغير : قبليتان . ( اجتووا ) : أصابهم الجوى ، وهو مرض داء البطن
إذا تطاول . ( لقاح ) : جمع لقحة ، بكسر فسكون ، هي الناقة : ذات اللبن . ( .
)
( 11 ) الجلالة
: ورد
النهي عن ركوب الجلالة وأكل لحمها وشرب لبنها . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة ) رواه الخمسة إلا ابن ماجة
، وصححه الترمذي وفي رواية : ( منهي عن ركوب الجلالة ) رواه أبو داود . وعن عمر بن
شعيب عن أبيه عن جده
رضي الله عنهم قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر
الاهلية ، وعن الجلالة : عن ركوبها وأكل لحومها ، رواه أحمد والنسائي وأبو داود .
والجلالة : هي التي تأكل العذرة ، من الابل والبقر والغنم والدجاج والاوز وغيرها ،
حتى يتغير ريحها . فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنا ، عفلت طاهرا فطاب لحمها وذهب اسم
الجلالة عنها حلت ، لان علة النهي والتغيير ، وقد زالت .
( 12 ) الخمر : وهي نجسة عند جمهور العلماء
، لقول الله تعالى ( إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس ( 1 ) من عمل
الشيطان ) وذهبت طائفة إلى القول بطهارتها ، وحملوا الرجس في الاية على الرجس
المعنوي ، لان لفظ ( رجس ) خبر عن الحمر ، وما عطف عليها ، وهو لا يوصف بالنجاسة
الحسية قطعا ، قال تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الاوثان ) فالاوثان رجس معنوي ، لا
تنجس من مسها : ولتفسيره في الاية بأنه من عمل الشيطان ، يوقع العداوة والبغضاء
ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وفي سبل السلام : ( والحق أن الاصل في الاعيان
الطهارة ، وأن التحريم لا يلازم النجاسة ، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة ، وأما
النجاسة فيلازمها التحريم ، فكل نجس محرم ولا عكس ، وذلك لان الحكم في النجاسة هو
المنع عن ملامستها على كل حال ، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها ، بخلاف الحكم
بالتحريم ، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة وإجماعا ) إذا عرفت هذا
فتحريم الخمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاسهما ، بل لابد من دليل
آخر عليه ، وإلا بقيا على الاصول المتفق عليها من الطهارة ، فمن ادعى خلافه فالدليل
عليه .
( 1 ) (
الرجس ) معناه : النجس .
( 13 ) الكلب : وهو نجس ويجب غسل ما ولغ
فيه سبع مرات ، أولاهن بالتراب ، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات
أولاهن بالتراب ( 2 ) ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والبيهقي : ولو ولغ في إناء فيه
طعام جامد ألقي ما أصابه وما حوله ، وانتفع بالباقي على طهارته السابقة . أما شعر
الكلب فالاظهر أنه طاهر ، ولم تثبت نجاسته .
( 2 )
معنى الغسل بالتراب ، أن يخلط في الماء حتى يتكدر . ( . )
تطهير البدن
والثوب
الثوب والبدن إذا أصابتهما نجاسة يجب غسلهما
بالماء حتى تزول عنهما إن كانت مرئية كالدم ، فإن بقي بعد الغسل أثر يشق زواله فهو
معفو عنه ، فإن لم تكن مرئية كالبول فإنه يكتفى بغسله ولو مرة واحدة ، فعن أسماء
بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :
( إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به ؟ فقال : ( تحته ) ثم تقرضه بالماء ،
ثم تنضحه ( 1 ) ثم تصلي فيه ) متفق عليه ، وإذا أصابت النجاسة ذيل ثوب المرأة تطهره
الارض ، لما روي ، أن امرأة قالت لام سلمة رضي الله عنهما : ( إني أطيل ذيلي وأمشي
في المكان القذر ؟ فقالت لها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يطهره ما بعده
) رواه أحمد وأبو داود .
( 1 ) (
الحت والقرض ) الدلك بأطراف الاصابع . النضح : الغسل بالماء . ( .
)
تطهير
الارض
تطهر الارض إذا أصابتها نجاسة بصب الماء عليها ،
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام أعرابي فبال في المسجد فقام إليه الناس
ليقعوا به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء
أو ذنوبا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه الجماعة إلا مسلما
. وتطهر أيضا بالجفاف هي وما يتصل بها اتصال قرار ، كالشجر والبناء . قال أبو قلابة
: جفاف الارض طهورها ، وقالت عائشة رضي الله عنها : ( زكاة الارض يبسها ) رواه ابن
أبي شيبة . هذا إذا كانت النجاسة مائعة ، أما إذا كان لها جرم فلا تطهر إلا بزوال
عينها أو بتحولها .
تطهير السمن
ونحوه
عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم ( سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال : ألقوها ، وما حولها فاطرحوه
وكلوا سمنكم ) رواه البخاري . قال الحافظ : نقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد
إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه ، إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى
غير ذلك منه ، وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاته
النجاسة ، وخالف فريق منهم الزهري والاوزاعي . ( 1 )
مذهبهما أن حكم المائع مثل حكم الماء ، في أنه لا ينجس إلا إذا تغير
بالنجاسة ، فان لم يتغير فهو طاهر ، وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود والبخاري ، وهو
الصحيح . ( . )
تطهير جلد
الميتة
يطهر جلد الميتة ظاهرا وباطنا بالدباغ ، لحديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دبغ الاهاب فقد
طهر ) رواه الشيخان . تطهير المرآة ونحوها
تطهير المرآة
والسكبن والسيف والظفر والعظم والزجاج والانية وكل صقيل لا مسام
له
بالمسح الذي يزول به أثر النجاسة ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون وهم حاملو
سيوفهم وقد أصابها الدم ، فكانوا يمسحونها ويجتزئون بذلك . ( 2 )
يرون المسح كافيا في طهارتها . ( . )
تطهير
النعل
يطهر النعل المتنجس والخف بالدلك بالارض إذا ذهب
أثر النجاسة ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا وطئ أحدكم بنعله الاذى فإن التراب له طهور ) رواه أبو داود . وفي رواية . ( إذا
وطئ الاذى بخفيه فطهورهما التراب ) وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما ، فإن رأى خبثا فليمسحه بالارض
ثم ليصل فيهما ) رواه أحمد وأبو داود ، ولانه محل تتكرر ملاقاته للنجاسة غالبا ،
فأجزأ مسحه بالجامد كمحل الاستنجاء بل هو أولى ، فإن محل الاستنجاء يلاقي النجاسة
مرتين أو ثلاثا .
فوائد تكثر
الحاجة إليها
1 - حبل الغسيل ينشر عليه الثوب النجس ثم تجففه
الشمس أو الريح ، لا بأس بنشر الثوب الطاهر عليه بعد ذلك .
2 - لو سقط شئ على المرء لا يدري هل هو ماء أو
بول لا يجب عليه أن يسأل ، فلو سأل لم يجب على المسئول أن يجيبه ولو علم أنه نجس ،
ولا يجب عليه غسل ذلك .
3 - إذا أصاب الرجل أو الذيل بالليل شئ رطب . لا
يعلم ما هو ، لا يجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو ، لما روى : أن عمر رضي الله عنه مر
يوما ، فسقط عليه شئ من ميزاب ، ومعه صاحب له فقال : يا صحب الميزاب ماؤك طاهرا أو
نجس فقال عمر : يا صاحب الميزاب لا تخبرنا ، ومضى .
4 - لا يجب غسل ما أصابه طين الشوارع . قال كميل
بن زياد . رأيت عليا رضي الله عنه يخوض طين المطر ، ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل
رجليه .
5 - إذا انصرف الرجل من صلاة رأى على ثوبه أو
بدنه نجاسة لم يكن عالما بها ، أو كان يعلمها ولكنه نسيها أو لم ينسها ولكنه عجز عن
إزالتها فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه ، لقوله تعالى . ( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم
به ( 1 ) . وهذا ما أفتى به كثير من الصحابة والتابعين .
( 1 )
سورة الاحزاب آية : 5 . ( . )
6 - من خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه
غسله كله ، لانه لا سبيل إلى العلم بتيقن الطهارة إلا بغسله جميعه ، فهو من باب (
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) .
قضاء
الحاجة
لقاضي الحاجة آداب تتلخص فيما يلي :
1 - أن لا يستصحب ما فيه اسم الله إلا إن خيف
عليه . الضياع أو كان حرزا ، لحديث أنس
رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله ،
فكان إذا دخل الخلاء ( 1 ) وضعه ، رواه الاربعة . قال الحافظ في الحديث إنه معلول ،
وقال أبو داود : إنه منكر ، والجزء الاول من الحديث صحيح .
( 1 ) (
الخلاء ) : المرحاض . ( . )
2 - البعد والاستار عن الناس لا سيما عند الغائط
، لئلا يسمع له صوت أو تشم له رائحة ، لحديث جابر رضي الله عنه قال : ( خرجنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكان لا يأتي البراز ( 2 ) حتى يغيب فلا يرى )
رواه ابن ماجة ، ولابي داود ( كان إذا أرك البراز انطلق حتى لا يراه أحد ) وله : (
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد ) .
( 2 ) (
البراز ) : مكان قضاء الحاجة . ( . )
3 - الجهر بالتسمية والاستعاذة عند الدخول في
البنيان وعند تشمير الثياب في الفضاء . لحديث أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال : ( بسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من
الخبث ( 3 ) والخبائث ) رواه الجماعة ( الخبث ) بضم الباء جمع خبيث ، و ( الخبائث ) جمع خبيثة ، والمراد
ذكران الشياطين وإناثهم . ( . )
4 - أن يكف عن الكلام مطلقا ، سواء كان ذكرا أو
غيره ، فلا يرد سلاما ولا يجيب مؤذنا إلا لما لا بد منه ، كإرشاد أعمى يخشى عليه من
التردي ، فإن عطس أثناء ذلك حمد الله في نفسه ولا يحرك به لسانه ، لحديث ابن عمر
رضي الله عنهما ( أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم
يرد عليه ) رواه الجماعة إلا البخاري ، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يخرج الرجلان يضربان الغائط ( 4 ) كاشفين عن
عورتيهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحديث
بظاهره يقيد حرمة الكلام ، إلا أن الاجماع صرف النهي عن التحريم إلى الكراهة
.
( يضربان
الغائط ) أي يمشيان إليه . ( . )
5 - أن
يعظم القبلة فلا يستقبلها ولا يستدبرها ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جلس أحدكم لحاجته
فلا
يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) رواه أحمد ومسلم ، وهذا النهي محمول على الكراهة ،
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( رقيت يوما بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله
عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة ) رواه الجماعة ، أو يقال في الجمع
بينهما : أن التحريم في الصحراء والاباحة في البنيان ( 1 ) فعن مروان الاصغر قال :
رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها ، فقلت : أبا عبد الرحمن . . .
أليس قد نهي عن ذلك ؟ قال : بلى . . . إنما نهي عن هذا في الفضاء . فإذا كان بينك
وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس ) رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم ، وإسناده حسن ،
كما في الفتح . ( 1 ) وهذا الوجه أصح من سابقه . ( . )
6 - أن
يطلب مكانا لينا منخفضا ليحترز فيه من إصابة النجاسة ، لحديث أبي موسى رضي الله عنه
قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان دمث ( 2 ) إلى جنب حائط فبال .
وقال : إذا بال أحدكم فليرتد ( 3 ) لبوله ) رواه أحمد وأبو داود والحديث وإن كان
فيه مجهول ، إلا أن معناه صحيح .
( 2 ) (
دمث ) كسهل وزنا ومعنى . ( 3 ) ( فليرتد ) أي فليختر . ( . )
7 - أن يتقي الجحر لئلا يكون فيه شئ يؤذيه من
الهوام ، لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يبال في الجحر ، قالوا لقتادة : ما يكره من البول في الجحر ؟ قال : إنها
مساكن الجن ) رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي ، وصححه ابن خزيمة
وابن السكن .
8 - أن يتجنب ظل الناس وطريقهم ومتحدثهم ، لحديث
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا اللاعنين ( 4 )
! ) قالوا : وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال : ( الذي يتخلى في طريق الناس أو
ظلتهم ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود .
( 4 )
المراد ( باللاعنين ) : ما يجلب لعنة الناس . ( . )
9 - أن لا يبول في مستحمه ، ولا في الماء الراد
أو الجاري ، لحديث عبد الله بن مغفل رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ
فيه ، فإن عامة الوسواس منه ) رواه الخمسة ، لكن قوله ( ثم يتوضأ فيه ) لاحمد وأبي
داود فقط ، وعن جابر رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في
الماء الراكد ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ، وعنه رضي الله عنه : ( أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الجارى ) ، قال في مجمع الزوائد : رواه
الطبراني ورجاله ثقات فإن كان في المغتسل نحو بالوعة فلا يكره البول فيه
.
10 - أن لا يبول قائما ، لمنافاته الوقار ومحاسن
العادات ولانه قد يتطاير عليه رشاشة ، فإذا أمن من الرشاش جاز . قالت عائشة رضي
الله عنها : ( من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه ، ما
كان يبول إلا جالسا ) رواه الخمسة إلا أبا داود . قال الترمذي : ( هو أحسن شئ في
هذا الباب وأصح ) انتهى ، وكلام عائشة مبني على ما علمت ، فلا ينافي ما روي عن
حذيفة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سباطة قوم ( 1 ) فبال
قائما فتنحيت فقال : ( أدنه ) فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه ) رواه
الجماعة ، قال النووي : البول جالسا أحب إلي ، وقائما مباح ، وكل ذلك ثابت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
(
السباطة ) بالضم ، ( ملقى التراب والقامة ) . ( . )
11 - أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة وجوبا
بالحجر وما في معناه من كل جامد طاهر قالع للنجاسة ليس له حرمة أو يزيلها بالماء
فقط ، أو بهما معا ، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب ( 2 ) بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه ) رواه أحمد
والنسائي وأبو داود والدار قطني . وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة ( 3 )
من
( 2 ) (
الاستطابة ) : الاستنجاء ، وسمي استطابة لما فيه من إزالة النجاسة وتطهير موضعها من
البدن . ( 3 ) ( الاداوة ) : إناء صغير كالابريق ، ( عنزة ) : حربه . ( .
)
ماء وعنزه فيستنجي بالماء ) متفق عليه . وعن ابن
عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : ( إنهما يعذبان
، وما يعذبان في كبير ( 1 ) أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ( 2 ) وأما الاخر
فكان يمشي بالنميمة رواه الجماعة . وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا : ( تنزهوا من
البول فإن عامة عذاب القبر منه ) .
( هامش )
( 1 ) ( وما يعذبان في كبير ) : أي يكبر ويشق عليهما فعله لو أرادا أن يفعلاه . ( 2
) ( لا يستنزه ) : أي لا يستبرئ ولا يتطهر ولا يستبعد منه . ( .
)
12 - أن لا يستنجي بيمينه
تنزيها لها عن مباشرة الاقذار لحديث عبد الرحمن بن زيد قال : ( قيل لسلمان : قد
علمكم نبيكم كل شئ حتى الخراءة ( 3 ) . فقال سلمان : أجل . . . نهانا أن نستقبل
القبلة بغائط أو ببول ، أو نستنجي باليمين ( 4 ) ، أو يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة
أحجار ، وأن لا يستنجي برجيع ( 5 ) أو بعظم ) رواه مسلم وأبو داود والترمذي . وعن
فحصة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لاكله وشربه
وثيابه وأخذه وعطائه ، وشماله لما سوى ذلك ) ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن
حبان والحاكم والبيهقي .
( 3 ) (
الخراءة ) : العذرة . ( 4 ) هذا نهي تأديب وتنزيه . ( 5 ) ( الرجيع ) النجس . ( .
)
13 - أن يدلك يده بعد الاستنجاء بالارض ، أو
يغسلها بصابون ونحوه ليزول ما علق بها من الرائحة الكريهة ، لحديث ، أبي هريرة رضي
الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور
أو ركوة ( 6 ) فاستنجى ثم مسح يده على الارض ) رواه أبو داود والنسائي والبيهقي
وابن ماجة .
( 6 ) (
التور ) إناء من نحاس ، ( والركوة ) إناء من جلد . ( . )
14 - أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال
ليدفع عن نفسه الوسوسة ، فمتى وجد بللا قال : هذا أثر النضح ، لحديث الحكم بن سفيان
، أو سفيان بن الحكم رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال
توضأ وينتضح ) وفي رواية : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه )
وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله .
15 - أن يقدم رجله اليسرى في الدخول ، فإذا خرج
فليقدم رجله اليمنى ثم ليقل : غفرانك . فعن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال : ( غفرانك ( 1 ) ) رواه الخمسة إلا
النسائي . وحديث عائشة أصح ما ورد في هذا الباب كما قال أبو حاتم وروي من طرق ضعيفة
انه صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني ) ،
وقوله : ( الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى في قوته ، وأذهب عني أذاه )
.
( 1 ) (
غفرانك ) : أي أسألك غفرانك . ( . )