الوضوء
الوضوء معروف من أنه : طهارة مائية تتعلق بالوجه
واليدين والرأس والرجلين ، ومباحثه ما يأتي :
( 1 ) دليل مشروعيته
: ثبتت
مشروعيته بأدلة ثلاثة :
(
الدليل الاول ) الكتاب الكريم ، قال الله تعالى : ( يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين.
( الدليل الثاني
) السنة
، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقبل الله
صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) رواه الشيخان وأبو داود والترمذي
.
( الدليل الثالث
)
الاجماع ، انعقد إجماع المسلمين على مشروعية الوضوء من لدن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى يومنا هذا ، فصار معلوما من الدين بالضرورة
( 1 )
سورة المائدة آية 6 . ( . )
( 2 ) فضله : ورد في فضل الوضوء أحاديث
كثيرة نكتفي بالاشارة إلى بعضها :
( أ ) عن عبد الله الصنابجي رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه ،
فإذا استنشر خرجت الخطايا من أنفه ، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج
من تحت أشفار عينيه ، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافر
يديه . فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ، فإذا غسل رجليه
خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه . ثم كان مشيه إلى المسجد
وصلاته نافلة ) رواه مالك والنسائي وابن ماجه والحاكم .
( ب )
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الخصلة الصالحة
تكون في الرجل يصلح الله بها عمله كله ، وطهور الرجل لصلاته يكفر الله بطهوره ذنوبه
وتبقى صلاته له نافلة ) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الاوسط
.
( ج ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى
الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات
. قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى
المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ( 1 ) فذلكم الرباط فذلكم
الرباط ) رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي . ( د ) وعنه رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا
إن شاء الله بكم عن قريب لاحقون ، وددت لو أنا قد رأينا إخواننا ) قالوا : أو لسنا
إخوانك يا رسول الله ؟ قال ( أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ) قالوا :
كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ قال : ( أرأيت لو أن رجلا له خيل غر
محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ( 2 ) ألا يعرف خيله ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ،
قال : ( فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال
عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم : ألا هلم ، فيقال : ( إنهم بدلوا بعدك )
فأقول : سحقا سحقا ) رواه مسلم .
( 1 ) (
الرباط ) : المرابطة والجهاد في سبيل الله ، أي إن المواظبة على الطهارة والعبادة
تعدل الجهاد في سبيل الله . ( 2 ) ( دهم بهم ) : سود ، ( فرطهم على الحوض ) :
أتقدمهم عليه ، ( سحقا ) : بعدا . ( . )
( 3 ) فرائضه : للوضوء فرائض وأركان تتركب
منها حقيقته ، إذا تخلف فرض منها لا يتحقق ولا يعتد به شرعا ، وإليك بيانها
:
( الفرض الاول )
: النية
، وحقيقتها الارادة المتوجهة نحو الفعل ، ابتغاء رضا الله تعالى وامتثال حكمه ، وهي
عمل قلبي محض لا دخل للسان فيه ، والتلفظ بها غير مشروع ، ودليل فرضيتها حديث عمر
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما الاعمال بالنيات ( 1 )
وإنما لكل امرئ ما نوى . . . ) الحديث رواه الجماعة .
( الفرض
الثاني ) غسل الوجه مرة واحدة : أي إسالة الماء عليه ، لان
معنى الغسل الاسالة . وحد الوجه من أعلى تسطيح الجبهة إلى أسفل اللحيين طولا ، ومن
شحمة الاذن إلى شحمة الاذن عرضا .
( الفرض الثالث
) غسل
اليدين إلى المرفقين ، والمرفق هو المفصل الذي بين العضد والساعد ، ويدخل المرفقان
فيما يجب غسله وهذا هو المضطرد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد عنه صلى
الله عليه وسلم أنه ترك غسلهما :
( الفرض الرابع
) مسح
الرأس ، والمسح معناه الاصابة بالبلل ، ولا يتحقق إلا بحركة العضو الماسح ملصقا
بالممسوح فوضع اليد أو الاصبع على الرأس أو غيره لا يسمى مسحا ، ثم إن ظاهر قوله
تعالى : ( وامسحوا برءوسكم ) لا يقتضي وجوب تعميم الرأس بالمسح ، بل يفهم منه أن
مسح بعض الرأس يكفي في الامتثال ، والمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذاك
طرق ثلاث :
( ا ) مسح جميع رأسه : ففي حديث عبد الله بن زيد
( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه
ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ) رواه الجماعة
.
( ب ) مسحه على العمامة وحدها : ففي حديث عمرو
بن أمية رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته
وخفيه ) ، رواه أحمد والبخاري وابن ماجة . وعن بلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( امسحوا على الخفين والحمار ( 2 ) ) رواه أحمد . وقال عمر رضي الله عنه : (
من لم يطهره المسح على العمامة لا طهره الله )
( 1 ) (
إنما الاعمال بالنيات ) : أي إنما صحتها بالنيات ، فالعمل بدونها لا يعتد به شرعا .
( 2 ) ( الخمار ) الثوب الذي يوضع على الرأس كالعمامة وغيرها
وقد ورد في ذلك أحاديث رواها البخاري ومسلم
وغيرهما من الائمة . كما ورد العمل به عن كثير من أهل العلم .
( ج ) مسحه على الناصية والعمامة ، ففي حديث
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته
وعلى العمامة والخفين ) رواه مسلم . هذا هو المحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولم يحفظ عنه الاقتصار على مسح بعض الرأس ، وإن كان ظاهر الاية يقتضيه كما
تقدم ، ثم إنه لا يكفي مسح الشعر الخارج عن محاذاة الرأس كالضفيرة
.
( الفرض
الخامس ) : غسل الرجلين مع الكعبين ، وهذا هو الثابت
المتواتر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله . قال ابن عمر رضي الله عنهما :
تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا ( 1 ) العصر ،
فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته : ( ويل للاعقاب ( 2 ) من النار )
مرتين أو ثلاثا ، متفق عليه ، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : أجمع أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم على غسل العقبين . وما تقدم من الفرائض هو المنصوص عليه في قول
الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى
المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) ( 3 ) .
( 1 ) (
أرهقنا ) أخرنا . ( 2 ) ( العقب ) العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم . ( 3 ) سورة
المائدة آية 6 .
( الفرض السادس ) : الترتيب ، لان الله تعالى
قد ذكر في الاية فرائض الوضوء مرتبة مع فصل الرجلين عن اليدين - وفريضة كل منهما
الغسل - بالرأس الذي فريضته المسح ، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة .
وهي هنا الترتيب ، والاية ما سبقت إلا لبيان الواجب ، ولعموم قوله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح : ( ابدأوا بما بدأ الله به ) ومضت السنة العملية على هذا
الترتيب بين الاركان فلم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتبا
، والوضوء عبادة ومدار الامر في العبادات على الاتباع ، فليس لاحد أن يخالف المأثور
في كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم ، خصوصا ما كان مضطردا منها
.