التيمم
1 - تعريفه
:
المعنى اللغوي للتيمم : القصد . والشرعي : القصد إلى الصعيد ، لمسح الوجه واليدين ،
بنية استباحة الصلاة ونحوها .
1 - دليل مشروعيته
: ثبتت
مشروعيته بالكتاب والسنة والاجماع . أما الكتاب فلقول الله تعالى : ( وإن كنتم مرضى
أو على سفر ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ) ( 2 )
.
( هامش ) ( 2 ) سورة النساء آية 43 . ( . )
وأما السنة ، فلحديث أبي أمامة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ( جعلت الارض كلها لي ولامتي مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت رجلا من
أمتي الصلاة فعنده طهوره ) رواه أحمد . وأما الاجماع ، فلان المسلمين أجمعوا على أن
التيمم مشروع ، بدلا من الوضوء والغسل في أحوال خاصة .
3 - اختصاص هذه الامة به : وهو من الخصائص التي خص
الله بها هذه الامة . فعن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي . نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الارض مسجدا
وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد
قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث في قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة ) .
رواه الشيخان . 4 - سبب مشروعيته : روت عائشة
رضي الله عنها قالت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا
بالبيداء انقطع عقد لي . فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وأقام الناس
معه ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه
فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ فجاء أبو بكر ، والنبي صلى الله عليه وسلم
على فخذي قد نام ، فعاتبني وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده خاصرتي فما
يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فنام حتى أصبح على
غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم ( فتيمموا ) قال السيد بن حضير : ما هي أول
( 1 ) بركتكم يا آل أبي بكر ! ! فقالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا
العقد تحته ) . رواه الجماعة إلا الترمذي .
( 1 ) ما
: بمعنى ليس - أي ليست هذه أول بركة لكم ، فان بركاتكم كثيرة . ( .
)
5 - الاسباب المبيحة له
: يباح
التيمم للمحدث حدثا أصغر أو أكبر ، في الحضر والسفر ، إذا وجد سبب من الاسباب
الاتية :
ا - إذا لم يجد
الماء ،
أو وجد منه ما لا يكفيه للطهارة ، لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فصلى بالناس ، فإذا هو رجل معتزل فقال : (
ما منعك أن تصلي ؟ ) قال : أصابتني جنابة ، ولا ماء . قال : ( عليك بالصعيد فإنه
يكفيك ) رواه الشيخان . وعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين ) رواه أصحاب السنن ، وقال
الترمذي : حديث حسن صحيح . لكن يجب عليه - قبل أن يتيمم - أن يطلب الماء من رجله ،
أو من رفقته ، أو ما قرب منه عادة ، فإذا تيقن عدمه ، أو أنه بعيد عنه ، لا يجب
عليه الطلب .
ب - إذا كان به جراحة أو
مرض ،
وخاف من استعمال الماء زيادة المرض أو تأخر الشفاء ، سواء عرف ذلك بالتجربة أو
بإخبار الثقة من الاطباء ، لحديث جابر رضي الله عليه قال ، خرجنا في سفر ، فأصاب
رجلا منا حجر ، فشجه في رأسه ثم احتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم
؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات . فلما قدمنا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال : ( قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذا
لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال ( 1 ) . إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب
على جرحه خرقة ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده ) رواه أبو داود وابن ماجة والدار
قطني ، وصححه ابن السكن .
( هامش )
( 1 ) ( العي ) الجهل . ( . )
ج - إذا كان
الماء شديد البرودة ، وغلب على ظنه حصول ضرر بإستعماله بشرط أن يعجز عن تسخينه ولو بالاجر
، أولا يتيسر له دخول الحمام ، لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ، أنه لما بعث في
غزوة ذات السلاسل قال : احتملت في ليلة شديدة البرودة ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ،
ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح . فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا
ذلك له فقال : ( يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ) . فقلت : ذكرت قول الله عزوجل :
( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ( 2 ) فتيممت ثم صليت . فضحك رسول
الله ولم يقل شيئا . رواه أحمد وأبو داود والحاكم والدار قطني وابن حبان ، وعلقه
البخاري . وفي هذا إقرار ، والاقرار حجة لانه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل
.
( 2 )
سورة النساء آية : 39 . ( . )
د - إذا كان الماء قريبا
منه ، إلا أنه يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله أو فوت الرفقة ، أو حال بينه وبين الماء عدو
يخشى منه ، سواء كان العدو آدميا أو غيره ، أو كان مسجونا ، أو عجز عن استخراجه ،
لفقد آلة الماء ، كحبل ودلو ، لان وجود الماء في هذه الاحوال كعدمه ، وكذلك من خاف
إن اغتسل أن يرمي بما هو برئ منه ويتضرر به ، جاز التيمم ( 1 )
.
( 1 )
كالصديق يبيت عند صديقه المتزوج فيصبح جنبا . ( . )
ه - إذا احتاج إلى
الماء
حالا أو مآلا لشربه أو شرب غيره ، ولو كان كلبا غير عقور ، أو احتاج له لعجن أو طبخ
وإزالة نجاسة غير معفو عنها ، فإنه يتيمم ويحفظ ما معه من الماء . قال الامام أحمد
رضي الله عنه : عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا لماء لشفاههم . وعن علي رضي الله عنه
أنه قال - في الرجل يكون في السفر ، فتصيبه الجنابة ، ومعه قليل من الماء ، يخاف أن
يعطش - : يتيمم ولا يغتسل . رواه الدار قطني . قال ابن تيمية : ومن كان حاقنا عادما
للماء ، فالافضل أن يصلي بالتيمم غير حاقن من أن يحفظ وضوءه ويصلي حاقنا . و - إذا
كان قادرا على استعمال الماء ، لكنه خشي خروج الوقت باستعماله في الوضوء أو الغسل ،
فأنه يتيمم ويصلي ، ولا اعادة عليه .
6 - الصعيد الذي يتيمم به
: يجوز
التيمم بالتراب الطاهر وكل ما كان من جنس الارض ، كالرمل والحجر والرجص . لقول الله
تعالى : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) وقد أجمع أهل اللغة ، على أن الصعيد وجه الارض ،
ترابا كان أو غيره .
7 - كيفية التيمم
: على
المتيمم أن يقدم النية ( 2 ) . وتقدم الكلام عليها في الوضوء ، ثم يسمي الله تعالى
، ويضرب بيديه الصعيد الطاهر ، ويمسح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين . ولم يرد في ذلك
أصح ولا أصرح من حديث عمار رضي الله عنه قال : اجنبت فلم أصب الماء فتمعكت في
الصعيد ( 3 ) وصليت ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنما كان يكفيك
هكذا ) وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الارض ( وتنفخ فيهما ) ثم مسح
بهما
( 2 )
وهي فرض في التيمم أيضا . ( 3 ) ( تمعكت ) تمرغت وزنا ومعنى .
وجهه وكفيه ) . رواه الشيخان . وفي لفظ آخر : (
إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ، ثم تنفخ فيهما ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك
إلى الرسغين ) رواه الدار قطني . ففي هذا الحديث ، الاكتفاء بضربة واحدة ،
والاقتصار في مسح اليدين على الكفين ، وان من السنة لمن تيمم بالتراب ، أن ينفض
يديه وينفخهما منه ، ولا يعفر به وجهه .
8 - ما يباج به التيمم
:
التيمم بدل من الوضوء والغسل عند عدم الماء فيباح به ما يباح بهما ، من الصلاة ومس
المصحف وغيرهما ، ولا يشترط لصحته دخول الوقت ، وللمتيمم أن يصلي بالتيمم الواحد ما
شاء من الفرائض والنوافل ، فحكمه كحكم الوضوء ، سواء بسواء ، فعن أبي ذر رضي الله
عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الصعيد طهور المسلم ، وإن لم يجد
الماء عشر سنين . فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ) رواه أحمد والترمذي
وصححه .
9 - نواقضه
: ينقض
التيمم كل ما ينقض الوضوء ، لانه بدل منه ، كما ينقضه وجود الماء لمن فقده ، أو
القدرة على استعماله ، لمن عجز عنه . لكن إذا صلى بالتيمم ، ثم وجد الماء ، أو قدر
على استعماله بعد الفراغ من الصلاة ، لا تجب عليه الاعادة ، وإن كان الوقت باقيا ،
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رجلان في سفر ، فحضرت الصلاة وليس
معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ، ثم وجد الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الوضوء
والصلاة ، ولم يعد الاخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرا له ذلك ،
فقال للذي لم يعد : ( أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ) وقال للذي توضأ وأعاد : ( لك
الاجر مرتين ) رواه أبو داود والنسائي . أما إذا وجد الماء وقدر على استعماله بعد
الدخول في الصلاة ، وقبل الفراغ منها ، فإن وضوءه ينتقض ، ويجب عليه التطهر بالماء
، لحديث أبي ذر المتقدم . وإذا تيمم الجنب أو الحائض لسبب من الاسباب المبيحة
للتيمم وصلى ، لا تجب عليه إعادة الصلاة . ويجب عليه الغسل متى قدر على استعمال
الماء ، لحديث عمر رضي الله عنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ،
فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم ، قال : ( ما منعك يا فلان
أن تصلي مع القوم ؟ ) قال : أصابتني جنابة ولم أجد ماء . قال : ( عليك بالصعيد فإنه
يكفيك ) ثم ذكر عمران : أنهم بعد أن وجدوا الماء أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال : ( إذهب فأفرغه عليك ) ، رواه البخاري .
المسح على الجبيرة ونحوها مشروعية المسح على الجبيرة والعصابة : يشرع المسح على
الجبيرة ونحوها مما يربط به العضو المريض . لاحاديث وردت في ذلك ، وهي وإن كانت
ضعيفة ، إلا أن لها طرقا يشد بعضها بعضا . وتجعلها صالحة للاستدلال بها على
المشروعية . من هذه الاحاديث حديث جابر : أن رجلا أصابه حجر ، فشجه في رأسه ثم
احتلم ، فسأل أصحابه ، هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : لا نجد لك رخصة وأنت
تقدر على الماء ، فاغتسل فمات . فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأخبر بذلك فقال : ( قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي
السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتمم ويعصر أو يعصب على جرحه ، ثم يمسح عليه ويغسل سائر
جسده ) ، رواه أبو داود وابن ماجة والدار قطني وصححه ابن السكن . وصح عن ابن عمر ،
أنه مسح على العصابة . حكم المسح : حكم المسح على الجبيرة الوجوب ، في الوضوء
والغسل ، بدلا من غسل العضو المريض أو مسحه . متى يجب المسح : من به جراحة أو كسر
وأراد الوضوء أو الغسل ، وجب عليه غسل أعضائه ، ولو اقتضى ذلك تسخين الماء ، فإن
خاف الضرر من غسل العضو المريض ، بأن ترتب على غسله حدوث مرض ، أو زيادة ألم ، أو
تأخر شفاء ، انتقل فرضه إلى مسح العضو المريض بالماء ، فإن خاف الضرر من المسح وجب
عليه أن يربط على جرح عصابة ، أو يشد على كسره جبيرة ، بحيث لا يتجاوز العضو المريض
إلا لضرورة ربطها ، ثم يمسح عليها مرة تعمها . والجبيرة أو العصابة لا يشترط تقدم
الطهارة على شدها ، ولا توقيت فيها بزمن ، بل يمسح عليها دائما في الوضوء والغسل ،
ما دام العذر قائما . مبطلات المسح : يبطل المسح على الجبيرة ، بنزعها من مكانها أو
سقوطها عن موضعها عن برء أو براءة موضعها ، وإن لم تسقط . صلاة فاقد الطهورين من
عدم الماء والصعيد بكل حال يصلي على حسب حاله ولا إعادة عليه . لما رواه مسلم عن
عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ناسا من أصحابه في طلبها ، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء ، فلما أتوا النبي صلى
الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير . جزاك الله
خيرا ، فو الله ما نزل بك أمر قط ، إلا جعل الله لك منه مخرجا ، وجعل للمسلمين منه
بركة ، فهؤلاء الصحابة صلوا حين عدموا ما جعل لهم طهورا ، وشكوا ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم ، فلم ينكره عليهم ، ولم يأمرهم بالاعادة : قال النووي : وهو أقوى
الاقوال دليلا .