الصلاة
الصلاة عبادة تتضمن أقوالا وأفعالا مخصوصة ،
مفتتحة بتكبير الله تعالى ، مختتمة بالتسليم . منزلتها في الاسلام وللصلاة في
الاسلام منزلة لا تعدلها منزلة أية عبادة أخرى . فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا
به ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأس الامر الاسلام ، وعموده الصلاة ،
وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) ، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات ،
تولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج من غير واسطة . قال أنس : ( فرضت الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم
نودي يا محمد : إنه لا يبدل القول لدي ، وإن لك بهذه الخمس خمسين ) . رواه أحمد
والنسائي والترمذي وصححه . وهي أول ما يحاسب عليه العبد . نقل عبد الله بن قرط قال
، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة
الصلاة ) فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله ) رواه الطبراني . وهي
آخر وصية وصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقة الدنيا ، جعل يقول
- وهو يلفظ أنفساه الاخيرة - : ( الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم ) وهي آخر ما
يفقد من الدين ، فإن ضاعت ضاع الدين كله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس قبالتي تليها . فأولهن
نقضا الحكم . وآخرهن الصلاة ) رواه ابن حبان من حديث أبي أمامة . والمتتبع لايات
القرآن الكريم يرى أن الله سبحانه يذكر الصلاة ويقرنها بالذكر تارة : ( إن الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) ( 1 ) . ( قد أفلح
( 1 )
سورة العنكبوت آية : 45
من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ( 1
) ( وأقم الصلاة لذكري ( 2 ) ) وتارة يقرنها بالزكاة : ( وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة ( 3 ) ) ومرة بالصبر ( واستعينوا بالصبر والصلاة ( 4 ) ، وطورا بالنسك ( فصل
لربك والنحر ( 5 ) ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ( 6 ) . وأحيانا يفتتح بها أعمال البر ويختتمها بها
، كما في سورة ، سأل ( المعارج ) وفي أول سورة المؤمنين : ( قد أفلح المؤمنون ،
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى قوله : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم
الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) ( 7 ) ) . وقد بلغ من عناية الاسلام
بالصلاة ، أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر ، والامن والخوف ، فقال تعالى :
( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقوموا لله قانتين ، فإن خفتم فرجالا أو
ركبانا ، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) ( 8 ) وقال
مبينا كيفيتها في السفر والحرب والامن : ( وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن
تقتصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا
. وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا
سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم
وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة
، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ، وخذوا
حذركم ، إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ، فإذا قضيتم
( هامش ) ( 1 ) سورة الاعلى آية 14 و 15 . ( 2 )
سورة طه آية 14 . ( 3 ) سورة البقرة آية : 110 . ( 4 ) سورة البقرة آية : 45 . ( 5
) سورة الكوثر آية : 2 . ( 6 ) سورة الانعام آية : 162 ، 163 ( 7 ) سورة المؤمنون :
1 ، 2 ، 9 ، 10 ، 11 . ( 8 ) سورة البقرة آية 238 ، 239 .
الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ،
فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ( 1 ) .
وقد شدد النكير على من يفرط فيها ، وهدد الذين يضيعونها . فقال جل شأنه : ( فخلف من
بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غيا ( 2 ) وقال : ( فويل
للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ( 3 ) . ولان الصلاة من الامور الكبرى التي
تحتاج إلى هداية خاصة ، سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعله هو وذريته مقيما لها
فقال : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ، ربنا وتقبل دعاء ) ( 4 )
.
( 1 )
سورة النساء : 102 ، 103 . ( 2 ) سورة مريم آية : 59 . ( 3 ) سورة الماعون آية :
404 ، 405 . ( 4 ) إبراهيم آية : 40