استقبال القبلة :
اتفق العلماء على أنه يجب
على المصلي أن يستقبل المسجد الحرام عند الصلاة . لقول الله تعالى : ( فول وجهك شطر
المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) ( 1 ) وعن البراء قال : صلينا مع
النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم صرفنا
نحو الكعبة ) رواه مسلم .
( 1 )
سورة البقرة آية 144 . ( . )
حكم
المشاهد للكعبة ، وغير المشاهد لها : المشاهد للكعبة يجب عليه أن
يستقبل عينها ، والذي لا يستطيع مشاهدتها يجب عليه أن يستقبل جهتها ، لان هذا هو
المقدور عليه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) رواه ابن ماجه والترمذي وقال : حسن
صحيح ، وقرأه البخاري ، هذا بالنسبة لاهل المدينة ، ومن جرى مجراهم كأهل الشام
والجزيرة والعراق . وأما أهل مصر فقبلتهم بين المشرق والجنوب ، وأما اليمن فالمشرق
يكون عن يمين المصلي والمغرب عن يساره ، والهند يكون المشرق خلف المصلي والمغرب
أمامه . وهكذا . بم تعرف القبلة ؟ كل بلد له أدلة تختص به يعرف بها القبلة . ومن
ذلك المحاريب التي نصبها المسلمون في المساجد ، وكذلك بيت الابرة ( البوصلة ) . حكم
من خفيت عليه : من خفيت عليه أدلة القبلة ، لغيم أو ظلمة مثلا وجب عليه أن يسأل من
يدله عليها ، فإن لم يجد من يسأله اجتهد وصلى إلى الجهة التي إليها اجتهاده ،
وصلاته صحيحة ولا اعادة عليه ، حتى ولو تبين له خطؤة بعد الفراغ من الصلاة ، فإن
تبين له الخطأ أثناء الصلاة استدار إلى القبلة ولا يقطع صلاته . فعن ابن عمر رضي
الله عنهما قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت فقال : إن النبي
صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الله قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها
. وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ، متفق عليه . ثم إذا صلى بالاجتهاد
إلى جهة لزمه إعادة الاجتهاد إذا أراد صلاة أخرى ، فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني ،
ولا يعيد ما صلاة بالاول . متى يسقط الاستقبال : استقبال القبلة فريضة ، لا يسقط
إلا في الاحوال الاتية : ( 1 ) صلاة النفل للراكب : يجوز للراكب أن يتنفل على
راحلته ، يومي بالركوع والسجود ، ويكون سجوده أخفض من ركوعه ، وقبلته حيث اتجهت
دابته . فعن عامر بن ربيعة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على
راحلته حيث توجهت به . رواه البخاري ومسلم ، وزاد البخاري : يومئ ، والترمذي : ولم
يكن يصنعه في المكتوبة ( 1 ) . وعند أحمد ومسلم والترمذي : أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصلي على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ، وفيه نزلت
: ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) . وعن إبراهيم النخعي قال : كانوا يصلون في رحالهم
ودوابهم حيثما توجهت ، وقال ابن حزم : وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين ، عموما في
الحضر والسفر .
( 1 ) (
المكتوبة ) : الفريضة . والايماء الاشارة بالرأس إلى السجود . ( .
)
( 2 )
صلاة المكره والمريض والخائف : الخائف والمكره والمريض
يجوز لهم الصلاة لغير القبلة إذا عجزوا عن ستقبالها ، فإن الرسول صلى
الله عليه وسلم يقول : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) . وفي قول الله
تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) قال ابن عمر رضي الله عنهما : مستقبلي
القبلة أو غير مستقبليها ، رواه البخاري . كيفية الصلاة جاء الاحاديث عن سول الله
صلى الله عليه وسلم مبينة كيفية الصلاة وصفتها . ونحن نكتفي هنا بإيراد حديثين :
الاول من فعله صلى الله عليه وسلم ، والثاني من قوله :
1 - عن عبد الله بن غنم : أن
أبا مالك الاشعري جمع قومه فقال : يا معشر الاشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم
وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي لنا بالمدينة
فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم ، فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ . فأحصى الوضوء إلى ( 1
) أماكنه حتى أفاء الفئ وانكسر الظل قام فأذن . فصف الرجال في أدنى الصف ، وصف
الولدان خلفهم . وصف النساء خلف الولدان ، ثم أقام الصلاة ، فتقدم فرفع يديه فكبر ،
فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة يسرها . ثم كبر فركع فقال : سبحان الله وبحمده ثلاث مرات
، ثم قال : سمع الله لمن حمده واستوى قائما ، ثم كبر وخر ساجدا ، ثم كبر فرفع رأسه
، ثم كبر فسجد ، ثم كبر فانتهض قائما . فكان تكبيرة في أول ركعة ست تكبيرات . وكبر
حين قام إلى الركعة الثانية . فلما قضى صلاته ، أقبل إلى قومه بوجهه فقال : احفظوا
تكبيري وتعلموا ركوعي وسجودي ، فإنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان
يصلي لنا كذا الساعة من النهار ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته
أقبل إلى الناس بوجهه فقال ( يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا ، واعلموا أن الله عز
وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الانبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم
من الله ، فجاء رجل من الاعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى نبي الله صلى الله
عليه وسلم فقال : يا نبي الله . ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم
الانبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله ؟ انعتهم لنا ( 2 ) فسر وجه النبي
صلى الله عليه وسلم لسؤال الاعرابي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهم ناس
من أفياء الناس ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله
وتصافوا ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها ، فيجعل وجوههم
نورا ، وثيابهم نورا ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء الله الذين
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن ، والحاكم وقال :
صحيح الاسناد .
2 - عن أبي هريرة قال : دخل رجل
المسجد فصلى ، ثم جاء إلى النبي
( 1 ) ( فأحصى الوضوء إلى أماكنه ) : أي غسل جميع
الاعضاء . ( 2 ) ( انعتهم لنا ) : أي صفهم لنا . ( . )
صلى الله عليه وسلم يسلم . فرد عليه السلام وقال : ( إرجع فصل فإنك لم
تصل ) فرجع ، ففعل ذلك ثلاث مرات . قال فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا
فعلمني ، قال : ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع
حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى
تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) رواه أحمد
والبخاري ومسلم . وهذا الحديث يسمى ( حديث المسئ في صلاته ) . هذا جملة ما ورد في
صفة الصلاة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله ، ونحن نفعل ذلك مع التمييز
بين الفرائض والسنن .