فرائض الصلاة
للصلاة فرائض وأركان تتركب منها حقيقتها ، حتى إذا تخلف فرض منها لا
تتحقق ولا يعتد بها شرعا . وهذا بيانها :
( 1 )
النية (
1 ) : لقول الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ( 2 )
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما
نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ( 3 ) . ومن كانت
هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ( 4 ) رواه البخاري .
وقد تقدمت حقيقتها في الوضوء . التلفظ بها : قال ابن القيم في كتابه ( إعانة
اللهفان ) : ( النية هي القصد والعزم على الشئ ، ومحلها القلب لا تعلق بها باللسان
أصلا ، ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الصحابة في النية لفظ
بحال ، وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة ، قد جعلها الشيطان
معتركا لاهل الوسواس ( 5 ) يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ، ويوقعهم في طلب تصحيحها .
فترى أحدهم يكررها ، ويجهد نفسه في التفظ ، وليست من الصلاة في شئ .
)
( 1 )
ويرى البعض أنها شرط ولا ركن . ( 2 ) سورة البينة آية : 5 . ( 3 ) فهجرته إلى الله
ورسوله : أي هجرته رايحة . ( 4 ) فهجرته إلى ما هاجر إليه : أي هجرته خسيسة حقيرة .
( 5 ) ( الوسواس ) : الوسوسة . ( .
)
( 2 ) تكبيرة الاحرام
: لحديث
علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ،
وتحليلها التسليم ) رواه الشافعي وأحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي ، وقال : هذا
أصح شئ في هذا الباب وأحسن ، وصححه الحاكم وابن السكن ، ولما ثبت من فعل الرسول صلى
الله عليه وسلم وقوله ، كما ورد في الحديثين المتقدمين . ويتعين لفظ ( الله أكبر )
لحديث أبي حميد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما
ورفع يديه ثم قال : ( الله أكبر ) ، رواه ابن ماجه ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
ومثله ما أخرجه البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم ، عن علي أنه صلى الله عليه وسلم
كان إذا قام إلى الصلاة قال : ( الله أكبر ) . وفي حديث ( المسئ في صلاته ) عند
الطبراني ثم يقول ( الله أكبر ) .
( 3 ) القيام في الفرض
: وهو
واجب بالكتاب والسنة والاجماع لمن قدر عليه قال الله تعالى : ( حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى ، وقوموا لله قانتين ) ( 1 ) . وعن عمر بن حصين قال : كانت بي
بواسير ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ؟ فقال : ( صل قائما ، فإن لم
تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعل جنب ) رواه البخاري . وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء
، كما اتفقوا على استحباب تفريق القدمين أثناءه .
( هامش )
( 1 ) ( قانتين ) : أي خاشعين منذلين . والمراد بالقيام القيام للصلاة . ( .
)
القيام في
النفل : أما النفل ، فإنه يجوز أن يصلي من قعود مع القدرة على القيام ، إلا أن
ثواب القائم أتم من ثواب القاعد ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : حدثت
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ) رواه
البخاري ومسلم . العجز عن القيام في الفرض : ومن عجز عن القيام في الفرض صل على حسب
قدرته ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وله أج ره كاملا غير منقوص . فعن أبي موسى
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان
يعمله وهو صحيح مقيم ) رواه البخاري .
( 4 ) قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفروض
والنفل
: قد صحت الاحاديث في افتراض قراءة الفاتحة في كل ركعة ، وما دامت الاحاديث في ذلك
صحيحة صريحة فلا مجال للخلاف ولا موضع له ونحن نذكرها فيما يلي :
1 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، رواه الجماعة .
2 - وعن أبي هريرة قال ، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن - وفي رواية
: بفاتحة الكتاب - فهي خداج ( 1 ) هي خداج غير تمام ) رواه أحمد والشيخان .
3 - وعنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجزئ صلاة لا يقرأ
فيها بفاتحة الكتاب ) رواه ابن خزيمة بإسناد صحيح ، ورواه ابن حبان وأبو حاتم
.
4 - وعند الدار قطني بإسناد
صحيح ( لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) .
5 - وعن أبي سعيد ( أمرنا أن
نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر ) رواه أبو داود ، قال الحافظ وابن سيد الناس : إسناده
صحيح .
6 - وفي بعض طريق حديث المسئ في
صلاته : ( ثم اقرأ بأم القرآن ) إلى أن قال له : ( ثم افعل ذلك في كل ركعة )
.
7 - ثم الثابت أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل ، ولم يثبت عنه
خلاف ذلك ، ومدار الامر في العبادة على الاتباع . فقد قال صلى الله عليه وسلم : (
صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه البخاري .
( 1 ) (
خداج ) : قال الخطابي : هي خداج : ناقصة نقص بطلان وفساد . ( .
)
البسملة
: اتفق
العلماء على أن البسملة بعض آية في سورة النمل ، واختلفوا في البسملة الواقعة في
أول السور إلى ثلاثة مذاهب مشهورة .
الاول
: أنها
آية من الفاتحة ومن كل سورة وعلى هذا فقراءتها واجبة في الفاتحة وحكمها حكم الفاتحة
في السر والجهر ، وأقوى دليل لهذا المذهب حديث نعيم المجمر ، قال : صليت وراء أبي
هريرة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ) الحديث وفي آخره قال :
والذي نفسي بيده أني لاشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه النسائي
وابن خزيمة وابن حبان . قال الحافظ في الفتح : وهو أصح حديث ورد في الجهر بالبسملة
.
الثاني
: أنها
آية مستقلة أنزلت للتيمن والفصل بين السور ، وأن قراءتها في الفاتحة جائزة بل
مستحبة ، ولا يسن الجهر بها . لحديث أنس قال : ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه
وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ) رواه
النسائي وابن حبان والطحاوي بإسناد على شرط الصحيحين .
الثالث :
أنها
ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها ، وأن قراءتها مكروهة سرا وجهرا في الفرض دون
النافلة ، وهذا المذهب ليس بالقوي . وقد جمع ابن القيم بين المذهب الاول والثاني
فقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) تارة ،
ويخفيها أكثر مما يجهر بها ، ولا ريب أنه لم يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس
مرات أبدا ، حضرا وسفرا ، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل
بلده في الاعصار الفاضلة من لم يحسن فرض القراءة . من لم يحسن فرض القراءة : قال
الخطابي : الاصل أن الصلاة لا تجزئ ، إلا بقراءة فاتحة الكتاب ، ومعقول أن قراءة
فاتحة الكتاب على من أحسنها دون من لا يحسنها ، فإذا كان المصلي لا يحسنها ويحسن
غيرها من القرآن ، كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات ، لان أولى الذكر بعد الفاتحة
ما كان مثلها من القرآن ، وإن كان ليس في وسعه أن يتعلم شيئا من القرآن ، لعجز في
طبعه أو سوء في حفظه ، أو عجمة في لسانه . أو عاهة تعرض له ، كان أولى الذكر بعد
القرآن ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ، من التسبيح والتحميد والتهليل . وقد روي
عنه صلى الله عليه وسلم . أنه قال : ( أفضل الذكر بعد كلام الله ، سبحان الله ،
والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) انتهى . ويؤيد ما ذكره الخطابي من
حديث رفاعة بن رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا الصلاة فقال : ( إن كان
معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمده وكبره وهلله ثم اركع ) . رواه أبو داود والترمذي وحسنه
. والنسائي والبيهقي . ( 5 ) الركوع : وهو مجمع
على فرضيته ، لقول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ( 1 ) . . . )
.
( 1 )
سورة الحج آية 77 . ( . )
بم يتحقق
: يتحقق
الركوع بمجرد الانحناء ، بحيث تصل اليدان إلى الركبتين ، ولا بد من الطمأنينة فيه ،
لما تقدم في حديث المسئ في صلاته ( ثم اركع حتى تطمئن راكعا ) وعن أبي قتادة . قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته .
فقالوا : يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال : ( لا يتم ركوعها ولا سجودها ) أو
قال : ( لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة والحاكم
وقال صحيح الاسناد . وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا
تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ) رواه الخمسة وابن خزيمة
وابن حبان والطبراني والبيهقي ، وقال : إسناده صحيح . وقال الترمذي : حسن صحيح .
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، يرون
أن يقيم الرجل صلبه ( 2 ) في الركوع والسجود . وعن حذيفة : أنه رأى رجلا لا يتم
الركوع والسجود فقال له : ما صليت ، ولو مت مت على غير الفطرة ( 3 ) التي فطر الله
عليها محمدا صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري .
( 2 )
الصلب : الظهر . والمراد أن يستوي قائما . ( 3 ) ( الفطرة ) : الدين . ( .
)
( 6 ) الرفع
من الركوع والاعتدال قائما مع الطمأنينة : لقول أبي حميد في صفة صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإذا رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار ( 1 )
إلى مكانه ) . رواه البخاري ومسلم . وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (
فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ) رواه مسلم ، وقال صلى الله
عليه وسلم : ( ثم ارفع حتى تعتدل قائما ) متفق عليه . وعن أبي هريرة قال ، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده )
رواه أحمد ، قال المنذري : إسناده جيد .
( الفقار
) . جمع فقارة ، وهي عظام الظهر . ( . )
( 7 ) السجود
: وقد
تقدم ما يدل على وجوبه من الكتاب وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله للمسئ
في صلاته : ( ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن
ساجدا ) . فالسجدة الاولى والرفع منها . ثم السجدة الثانية مع الطمأنينة في ذلك كله
فرض في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل . حد الطمأنينة : الطمأنينة المكث زمنا ما
بعد استقرار الاعضاء ، قدر أدناها العلماء بمقدار تسبيحة . أعضاء السجود : أعضاء
السجود : الوجه ، والكفان ، والركبتان ، والقدمان . فعن العباس ابن عبد المطلب أنه
سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ( 2 ) :
وجهه ، وكفاه ، وركبتاه ، وقدماه ) رواه الجماعة إلا البخاري . وعن ابن عباس قال :
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا :
الجبهة ، واليدين والركبتين
( 2 ) (
سبعة آراب ) أي أعضاء ، جمع إرب . ( . )
والرجلين . وفي لفظ ، قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين
، والركبتين ، وأطراف القدمين ) متفق عليه . وفي رواية : ( أمرت أن أسجد على سبع
ولا أكفت الشعر ( 1 ) ولا الثياب ، الجبهة ، والانف ، واليدين ، والركبتين ،
والقدمين ) رواه مسلم والنسائي . وعن أبي حميد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الارض ، رواه أبو داود والترمذي وصححه ، وقال : والعمل
على هذا عند أهل العلم : أن يسجد الرجل على جبهته وأنفه . فإن سجد على جبهته دون
أنفه ، فقال قوم من أهل العلم : يجزئه ، وقال غيرهم : لا يجزئه حتى يسجد على الجبهة
والانف .
( 1 ) (
الكفت والكف ) . الضم ، والمراد أن لا يجمع ثيابه ولا شعره ولا يضمهما في حال
الصلاة عند السجود . (
( 8 ) القعود الاخير وقراءة التشهد فيه : الثابت المعروف من هدى
النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد القعود الاخير يقرأ فيه التشهد ، وأنه قال
للمسئ في صلاته : ( فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك ) .
قال ابن قدامة : وقد روي عن ابن عباس أنه قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد
: السلام على الله قبل عباده ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : ( لا تقولوا : السلام على الله ، ولكن قولوا : التحيات لله )
، وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضا . أصح ما ورد في التشهد : أصح ما ورد
في التشهد تشهد ابن مسعود ، قال : ( كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الصلاة قلنا السلام على الله قبل عباده ، السلام على فلان وفلان . فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا السلام على الله ، فإن الله هو السلام ، ولكن
إذا جلس أحدكم فليقل : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتم ذلك
أصاب كل عبد صالح في السماء والارض . أو بين السماء والارض . أشهد أن لا إله إلا
الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم ليختر أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به
) رواه الجماعة . قال مسلم : أجمع الناس على تشهد ابن مسعود ، لان أصحابه لا يخالف
بعضهم بعضا ، وغيره قد اختلف أصحابه . وقال الترمذي والخطابي وابن عبد البر وابن
المنذر : تشهد ابن مسعود أصح حديث في التشهد ، ويلي تشهد ابن مسعود في الصحة تشهد
ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن ،
وكان يقول ( التحيات المباركات ، الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا
الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي . قال
الشافعي : ورويت أحاديث في التشهد مختلفة ، وكان هذا أحب إلي ، لانه أكملها . قال
الحافظ : سئل الشافعي عن اختياره وتشهد ابن عباس فقال : لما رأيته واسعا وسمعته عن
ابن عباس صحيحا ، وكان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره أخذت به غير معنف لمن يأخذ
بغيره مما صح . وهناك تشهد آخر اختاره مالك ، ورواه في الموطأ عن عبد الرحمن بن عبد
القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول : قولوا :
التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات والصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال النووي : ( هذه الاحاديث في التشهد كلها صحيحة ،
وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم ابن عباس . قال الشافعي : وبأيها
تشهد أجزأه ، وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها .
( 9 ) السلام
: ثبتت
فرضية السلام من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله . فعن علي رضي الله عنه ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير ،
وتحليلها التسليم ) . رواه أحمد والشافعي وأبو داود وابن ماجة والترمذي . وقال :
هذا أصح شئ في الباب وأحسن . وعن عامر بن سعد عن أبيه قال : ( كنت أرى النبي صلى
الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده ) - ورواه أحمد ومسلم
والنسائي وابن ماجه . وعن وائل بن حجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان يسلم عن يمينه : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) . وعن شماله : ( السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته ) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام . رواه أبو داود
بإسناد صحيح . وجوب التسليمة الواحدة واستحباب التسليمة الثانية : يرى جمهور
العلماء أن التسليمة الاولى هي الفرض ، وأن الثانية مستحبة . قال ابن المنذر : أجمع
العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمه واحدة جائزة . وقال ابن قدامة في المغني :
( وليس نص أحمد بصريح في وجوب التسليمتين ، إنما قال : ( التسليمتين أصح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فيجوز أن يذهب إليه في المشروعية لا الايجاب ، كما ذهب
إلى ذلك غيره ، وقد دل عليه قوله في رواية : وأحب إلي التسليمتان ، ولان عائشة
وسلمة بن الاكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة
واحدة ، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ) وفيما ذكرناه جمع بين الاخبار وأقوال
الصحابة في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين ، والواجب واحدة ، وقد دل على صحة
هذا الاجماع الذي ذكره ابن المنذر ، فلا معدل عنه . وقال النووي : مذهب الشافعي
والجمهور من السلف والخلف أن يسن تسليمتان . وقال مالك وطائفة : إنما يسن تسليمة
واحدة ، تعلقوا بأحاديث ضعيفة لا تقاوم هذه الاحاديث الصحيحة ، ولو ثبت شئ منها حمل
على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة . وأجمع العلماء الذين يعتد
بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة ، فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء
وجهه ، وإن سلم تسليمتين جعل الاولى عن يمينه والثانية عن يساره . ويلتفت في كل
تسليمة ، حتى يرى من عن جانبه خده . هذا هو الصحيح إلى أن قال : ( ولو سلم
التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه ، أو الاولى عن يساره والثانية عن
يمينه ، صحت صلاته ، وحصلت تسليمتان ، ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما )
.