^ السحر بين الوهم والحقيقة ^
بقلم :الشيخ الامام محمد مناعي
.الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
قال ابن كثير في تفسيره (( السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث ( إن من البيان لسحرا ). ثم نقل عن القرطبي قوله: وعندنا أن السحر حق وله حقيقة ، ومن السحر ما يكون تمويه وتخيل، ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى، وقد يكون أدوية وأدخنة وغير ذلك))(1)
قلت : والسحر له النصيب الأكبر والحظ الأوفر من الاهتمام والعناية عند أصحاب كتب الرقية والرقاة الجهلة والمشعوذين ، فالسحرة في اعتقادهم لديهم القدرة الفائقة والتصرف المطلق بالمنفعة والمضرة، فكل العاهات والأمراض مهما كان نوعها فإن السحر سببها الأول والسحرة من ورائه ، وهم في الحقيقة أعجز خلق الله على تحقيق نفع أو دفع ضر ولو بالنسبة لأنفسهم . قال تعالى : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله البقرة102(*). وكدليل على قولنا تابعوا ما يذكره أكبر مرجع (2) في الرقية من السحر والجن والعين تحت عنوان : ( إبطال السحر ) ، وذكر تسعة أنواع : سحر التفريق ـ سحر المحبة ـ سحر التخييل ـ سحر الجنون ـ سحرالخمول ـ سحر الهواتف ـ سحر المرض ـ سحر النزيف ـ سحر تعطيل الزواج . ثم دعّم هذه القائمة بأنواع أخرى من السحر : كسحر الربط ؛ وفيه أنواع : ـ ربط المرأة ، ربط المنع ، ربط التبلّد ، ربط النزيف ، ربط الانسداد ، ربط التغوير، سحر سرعة القذف ، سحر العجز الجنسي ...إلخ . ومع كل نوع من أنواع السحر هذه له حديث وتفصيل ، وأن لكل صنف من هذه الأصناف جنا موكلا به . يقول مثلا وهو يتحدث عن سحر التبلّد المزعوم (3)
(( يتمركز الجني الموكل بالسحر في مركز الإحساس في مخ المرأة، فإذا أراد زوجها أن يأتيها أفقدها الجني الإحساس ، فلا تشعر بلذة ولا تستجيب لزوجها، بل تكون أمامه مخدرة الجسم ، يفعل بها كيفما شاء )) .
قلت : وهل لصاحب المرجع المذكور من دليل شرعي أو علمي على هذا الادعاء ؟ أعتقد أنه لو سئل هذا السؤال لكان رده ـ طبعا ـ الحديث النبوي السابق (( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ..)) ، ولذلك فهو يتخيّل الشيطان تارة يتمركز في المخ ، وتارة في خلايا الإنسان ، وتارة في رحم المرأة، أو في أي عضو من أعضائها ؛ ولعله سقـط منه سهوا ـ وهو يذكر أنواع السحر ـ : سحر البطالة ، سحر الرسوب في الامتحانات ، سحر الفشل في الشركات ، سحر الإسهال ، سحر آلام المفاصل ، سحر الأورام الخبيثة والسرطان ، سحر السل الرئوي ، سحر القصور الكلوي الخ.. ولِـمَ لا ؟ فما دام السحرة وخدامهم من الجن قادرين على إحداث الأمراض التي ذكرها صاحب المرجع في القائمة الأولى، فلا يصعب عليهم ما ذكرناه في القائمة الثانية . ومن هنا يتضح أن الكلام عن السحر بهذه الكيفية من المبالغة والتهويل، يعدّ ضربا من الهراء ونوعا من التخريف ينمّ عن سذاجة وجهل القائلين به ، إضافة إلى أنه يفتقر إلى الدليل الشرعي والعلمي ،
وهو الأهم . والقرآن الكريم لم يذكر لنا من السحر إلا نوعين فقط ، وهما :
1 ـ سحر التخيّل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى طه 66 .
2 ـ سحر التفريق فيتعلّمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه البقرة 102
(( ومن هذا الباب وهو ترويع الناس ما يكتب عن السحر والمبالغة فيه وجعله أنواعا كثيرة ، وبعضهم جعل السحر تسعة أنواع ، بينما هو في الحقيقة نوعان فقط :
1 ـ تخييلي : كما في قصة موسى عليه السلام ، وهو الشعوذة .
2 ـ تأثيري : التفرقة بين الزوجين ، كما في قصة هاروت وماروت .
وأنصح بعدم قراءة تلك الكتب ..)) (1) .
ـ كـــــــــــــــذب السحـــــــــــــــــرة :
لعل القارىء الكريم قد وصل معي إلى نتيجة مهمة مفادها أن أغلب السحرة ـ إن لم نقل كلهم ـ كذابون وجهلة ، إلا أنهم يعتمدون على الاحتيال والذكاء ، وغفلة البسطاء والسذج ، وهم يعلمون أن ما يقومون به كذب واحتيال لا يساوي شيئا ، وليس له تأثير لا بالنفع ولا بالضر، ولكن مادام هذا الكذب والاحتيال يدرّ عليهم ثروات طائلة ودائمة فهم مستمرون فيه ، وهذه حقيقة ظاهرة يدركها البصير . إن الساحر جاهل بالدين والدنيا، ولا علم له إلا بطقوس وتعاويذ ورموز لا يفهمها ربما حتى هو نفسه ـ ناهيك عن غيره ، أو جلب أشعار وأظفار ومواد نتنة وقذرة يجمعها من هنا وهناك ، يخلطها ويضعها في أوعية جاهزة ( صرائر ) لمن يطلبها ممن هو أجهل منه وأقل عقلا وأكثر غباء ،إذن قل لي بربك : فهل أشياء كهذه تؤثر على الإنسان سلبا أو إيجابا ؟ كلا والله ، اللهم إلا عند ضعفاء الإيمان وضعفاء النفوس والموسوسين والموهومين والأغبياء ، وهؤلاء طبعا هم زبائن السحرة الدائمون .
وعليه ينبغي أن تكون نظرة المؤمن إلى الساحر كنظرته لجامع القمامة، أو عامل المسلخة مع الفارق في شرف المهنة الثابت للعاملين .
(( من خلال تجربة عمرها حوالي عشر سنوات في هذا الحقل تأكد لدينا أن الوهم الناجم من الفراغ الروحي هو المرض المسيطر على نفسيات كثير من الناس ، وأن أزيد من ثمانين إلى تسعين بالمائة من الذين يعتقدون أنهم ضحايا السحر هم في الحقيقة ضحايا الأوهام والفراغات التي تتحول إلى وساوس ، ثم تبدأ رحلة المتاعب إلى المشعوذين والدجالين والمقبورين والدراويش وأهل البركة ))(1) .
ومن الأوهام والوساوس التي رسخها الدجالون والمشعوذون في أذهان الناس أن الزوجين في ليلة البناء معرضون للسحر بالتأكيد ، وقلّ منهم من ينجو مما يجعل الأزواج يصابون بعقد الخوف والذعر والصدمات النفسية ، ويعتقدون أنه سحر، وما هو في الحقيقة إلا الوهم والرعب من سحر الربط ، ويبدأ السعي و الركض بحثا عن الرقاة المشعوذين الذين يرسخون ويؤكدون أوهام ومخاوف السحر المزعوم ، بل يصفون الفاعل وكيف ومتى، وتبدأ سلسلة من الضنون والاتهامات، والأحقاد والعداوات ، التي لا تبقي ولا تذر .
ومن ذلك أيضا الاعتقاد السائد أن البنت إذا لم تتزوج فهي مرصودة بسحر ، وما دروا أن ظاهرة العنوسة باتت مـشكـلة معـقـدة تعاني منها كثيـر من دول العالم ومنها الجزائر على وجه الخصوص. وقس على هذا بقية المشاكل الاجتماعية الأخرى : كعدم الإنجاب، أو عدم التوافق في الحياة الزوجية، أو ما يحدث من نزاعات وخلافات عائلية مردها وسببها الأول والأخير ـ في عرف المشعوذين ـ السحر ولا شيء غيره .
هذا الاعتقاد الخاطىء زرعه ورسخه أصحاب كتب الرقية والرقاة من الدجالين والمشعوذين حتى يحافظوا على سوقهم وتجارتهم ( المربحة ) ، وما دروا أنهم يأكلون السحت (1) والحرام ، وأصابوا الأمة في عقيدتها وأخلاقها، باسم الرقية وعلاج السحر واستخراج العفاريت ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ، إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين الأعراف 155 .
ـ ترّهـــــــــــــــات حول الســـــــــــــــحر :
ومن الترهات والأباطيل التي يذكرها أصحاب كتب الرقية قولهم : أن للسحرة جنود مجندة من الجن والمردة والشياطين يسخرونهم لخدمتهم وأغراضهم فيسلطونهم على من أرادوا هلاكه والقضاء عليه ، وما دروا أنهم بهذا التهويل قد وضعوهم في مكانة لا يستحقونها ، فأشهروهم وعظموهم بل رفعوهم إلى مصاف الآلهة التي تتصرف في الكون وهي عقيدة شركية كانت عند قدماء الإغريق والرومان .
إليكم ما يذكره صاحب كتاب الصارم البتار صفحة 35 تحت عنوان : كيف يحضر الساحر جنيا ، وذكر في هذا المجال ثماني طرق :
1 ـ طريقة الإقسام 2 ـ طريقة الـذبح 3 ـ الطريقة السفلية
4 ـ طريقة النجاسة 5 ـ طريقة التنكيس 6 ـ طريقة التنجيم
7 ـ طريقة الكــف 8 ـ طريقة الأثر .
ثم بدأ يشرح كل طريقة على حده مبينا ومفصّلا أعمال السحرة في استحضار الجن، وتسخيرهم لمآربهم بوصف تقشعر منه الأبدان، وتشمئز منه القلوب .
ولو كنت مكانه لما ذكرت هذه الترهات، ولضربت عن ذكرها صفحا، أو لدحضتها وهدمتها بالدليل الشرعي والعلمي،لأنها أباطيل وأكاذيب وتهويلات ملفقة لا تستحق كل هذا العناء، إضافة إلى كونها وسيلة من وسائل تجذ ير الدجل والشعوذة والخرافات ، فضلا عما تحدثه من ترويع وتخويف في نفوس الآمنين ، وكمثال على ما ذكرته تابعوا معي الطريقة الثالثة والتي سماها صاحبها ( الطريقة السفلية) (( وهذه الطريقة مشهورة بين السحرة بالطريقة السفلية وصاحبها تكون له مجموعة كبيرة من الشياطين تخدمه وتنفّـذ أمره ، لأنه أعظم السحرة كفرا وأشدهم إلحادا ـ عليه لعنة الله ، وتتلخص هذه الطريقة في ما يلي :
يقوم الساحر ـ عليه لعنات الله متتابعة ـ بارتداء المصحف في قدميه على هيئة حذاء ، ثم يدخل به الخلاء ، ثم يبدأ في تلاوة الطلاسم الكفرية داخل الخلاء ، ثم يخرج فيجلس في غرفة ويأمر الجن بما شاء ، فتجد الجن يسارعون إلى طاعته وتنفيذ أوامره ، وما ذلك إلا لأنه كفر بالله العظيم ، وأصبح أخا من إخوان الشياطين ، فقد باء بالخسران المبين ، فعليه لعنة الله رب العالمين .
ويـشترط في الساحر السفلي أن يكون مرتكبا لمجموعة من الكبائر ـ غير ما ذكرنا ـ كإتيان المحارم ، أو اللواط ، أو الزنى بأجنبية ، أو سبّ الأديان ، كل ذلك ليرضي الشيطان ..)) (1) .
قلت : قد لا يكون الكاتب أتى بهذا الهراء من وحي خياله إلا أنه نقله على غيره من المشعوذين والدجاجلة دون نقد ولا تمحيص ، ولذلك فهو باطل للأدلة التالية :
1 ـ إن السحرة جهلة ، إلا أنهم يعتمدون أساسا على الشعوذة والتلبيس في إيهام الناس ؛ لا على ارتكاب الفواحش والمنكرات والكبائر التي ذكرها الكاتب ، وهب أنهم فعلوا أكثر من هذا ، فلا أعتقد أنهم يصلون إلى مبتغاهم أو يفلحون في مسعاهم ، قال تعالى : ولا يفلح الساحر حيث أتى طه 69 .
2 ـ إن تسخير الجن والشياطين للسحرة بهذه الكيفية ما كان ولن يكون لأحد من البشر إلا ما أعطاه الله معجزة لسليمان ، قال تعالى : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات سبأ 12 / 13
والشياطين كل بناء وغواص ، وآخرين مقرنين في الأصفاد ص 37 / 38
ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين الأنبياء 82 .
3 ـ لو كان هذا الادعاء صحيحا لأصبح السحرة هم سادة العالم وأكثر قوة من المافيا وعصابات الجريمة المنظمة ، بل أعظم من أي قوة رهيبة في العالم ، ولمحيت هذه الأنظمة والدول ، ولغدا العالم يقوده السحرة وعبيدهم من الجن والشياطين .
4 ـ إن اليهود أحفاد لبيد بن الأعصم ـ عليهم لعنة الله ، لهم اليد الطولى في عالم السحر ، بحيث لا يظاهيهم ولا يباريهم أحد في هذا الميدان على وجه المعمورة ، فلو كان عمل السحرة ـ المذكور آنفا ـ صحيحا ، ويعود عليهم بمنفعة فردية أو جماعية على مستوى أمنهم وأمن كيانهم، لما تورعوا في استخدامه مهما كانت المعاصي والجرائم المرتكبة في الحصول عليه . ولما كانت هذه الأقوال مجرد هراء وخرافات لا تقدم ولا تؤخر، تركوها لغيرهم من ذوي الفكر الخرافي العقيم ، وبقي سحرهم البليغ الموجه ضد العرب والمسلمين هو : جهاز الموساد (1)وعملاؤه ، ومروحيات الأباتشي ، وطائرات ( أف 16 ) ، والقذائف العنقودية، وأسلحة الدمار الشامل .. ألا فانتبهوا من غفلتكم وغفوتكم، ولا تزيدوا من هموم الأمة وهزائمها المتعددة والكثيرة .
ـ حالات غريبة وشاذة :
وقد يسأل سائل عن تلك الحالات الغريبة والشاذة والتي تظهر بين الحين والآخر من طرف بعض الناس ، كمن يسير فوق حبل رفيع ولا يختل توازنه ،أو يحرق ورقة ويضعها في علبة ثم يغطيها بمنديل فيخرج منها حمامة ، أو أرنبا ، أو يدخل رجلا في صندوق ثم يطعنه بالسيف فيخرج سليما، فهذه إما تدخل في باب سحر التخييل كما فعله سحرة آل فرعون ، أو من باب الحيل والمهارة وخفة اليد . وهناك أشياء أخرى تندرج في إطار الغرائب الشاذة التي جعلها الله عند بعض الناس دون غيرهم ، كمن يلتهم مجموعة من شفرات الحلاقة أو ألواح الزجاج أو يجر قطارا أو تخرج من عينيه دموع زجاجية أو من أنفه قصاصات ورقية الخ ..
وفي علم النفس هناك العديد من الظواهر ليس لها تفسير مثل: إدراك ما فوق الحس كالتخاطب عن بعد، أو رؤية شيء عن بعد شاسع، أو الإحساس بالألم قبل وقوع سببه ، أو تحـريك الأشياء عن بعد ، فـهذه وأشباهها تدخل تحت ما يسمى: بعلم ما وراء النفس ( أو البارسيكولوجيا )ويزعمون أنه أصبح يدرس في الجامعات والمختبرات ، ويعد المؤسس الأول لهذا العلم هو (جوزيف راين ) الأمريكي الذي أسس أول مختبر لهذا العلم في جامعة ديوك سنة 1934(*)، والمقصود من هذا كله إخضاع هذه الخوارق ودراستها علميا وتجريبيا لمعرفة كنهها وماهيتها .
ورغم هذا وذاك تبقى هذه الأمور من الأشياء الغيبية التي لا يوجد لها تفسير واضح ، فهي من الشواذ التي تحفظ ولا يقاس عليها ، وهي قبل كل شيء من آيات الله المعجزة التي يظهرها في خلقه كما قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق فصلت / 53 .
وفي اخر هذا المقال اسأل الله سبحانه وتعالى ان ينور بصائرنا بالايمان الصحيح والعلم النافع وان يحفضنا وجميع المسلمين من كل مكروه
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسـلم
بقلم :الشيخ الامام محمد مناعي
.الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
قال ابن كثير في تفسيره (( السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث ( إن من البيان لسحرا ). ثم نقل عن القرطبي قوله: وعندنا أن السحر حق وله حقيقة ، ومن السحر ما يكون تمويه وتخيل، ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى، وقد يكون أدوية وأدخنة وغير ذلك))(1)
قلت : والسحر له النصيب الأكبر والحظ الأوفر من الاهتمام والعناية عند أصحاب كتب الرقية والرقاة الجهلة والمشعوذين ، فالسحرة في اعتقادهم لديهم القدرة الفائقة والتصرف المطلق بالمنفعة والمضرة، فكل العاهات والأمراض مهما كان نوعها فإن السحر سببها الأول والسحرة من ورائه ، وهم في الحقيقة أعجز خلق الله على تحقيق نفع أو دفع ضر ولو بالنسبة لأنفسهم . قال تعالى : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله البقرة102(*). وكدليل على قولنا تابعوا ما يذكره أكبر مرجع (2) في الرقية من السحر والجن والعين تحت عنوان : ( إبطال السحر ) ، وذكر تسعة أنواع : سحر التفريق ـ سحر المحبة ـ سحر التخييل ـ سحر الجنون ـ سحرالخمول ـ سحر الهواتف ـ سحر المرض ـ سحر النزيف ـ سحر تعطيل الزواج . ثم دعّم هذه القائمة بأنواع أخرى من السحر : كسحر الربط ؛ وفيه أنواع : ـ ربط المرأة ، ربط المنع ، ربط التبلّد ، ربط النزيف ، ربط الانسداد ، ربط التغوير، سحر سرعة القذف ، سحر العجز الجنسي ...إلخ . ومع كل نوع من أنواع السحر هذه له حديث وتفصيل ، وأن لكل صنف من هذه الأصناف جنا موكلا به . يقول مثلا وهو يتحدث عن سحر التبلّد المزعوم (3)
(( يتمركز الجني الموكل بالسحر في مركز الإحساس في مخ المرأة، فإذا أراد زوجها أن يأتيها أفقدها الجني الإحساس ، فلا تشعر بلذة ولا تستجيب لزوجها، بل تكون أمامه مخدرة الجسم ، يفعل بها كيفما شاء )) .
قلت : وهل لصاحب المرجع المذكور من دليل شرعي أو علمي على هذا الادعاء ؟ أعتقد أنه لو سئل هذا السؤال لكان رده ـ طبعا ـ الحديث النبوي السابق (( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ..)) ، ولذلك فهو يتخيّل الشيطان تارة يتمركز في المخ ، وتارة في خلايا الإنسان ، وتارة في رحم المرأة، أو في أي عضو من أعضائها ؛ ولعله سقـط منه سهوا ـ وهو يذكر أنواع السحر ـ : سحر البطالة ، سحر الرسوب في الامتحانات ، سحر الفشل في الشركات ، سحر الإسهال ، سحر آلام المفاصل ، سحر الأورام الخبيثة والسرطان ، سحر السل الرئوي ، سحر القصور الكلوي الخ.. ولِـمَ لا ؟ فما دام السحرة وخدامهم من الجن قادرين على إحداث الأمراض التي ذكرها صاحب المرجع في القائمة الأولى، فلا يصعب عليهم ما ذكرناه في القائمة الثانية . ومن هنا يتضح أن الكلام عن السحر بهذه الكيفية من المبالغة والتهويل، يعدّ ضربا من الهراء ونوعا من التخريف ينمّ عن سذاجة وجهل القائلين به ، إضافة إلى أنه يفتقر إلى الدليل الشرعي والعلمي ،
وهو الأهم . والقرآن الكريم لم يذكر لنا من السحر إلا نوعين فقط ، وهما :
1 ـ سحر التخيّل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى طه 66 .
2 ـ سحر التفريق فيتعلّمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه البقرة 102
(( ومن هذا الباب وهو ترويع الناس ما يكتب عن السحر والمبالغة فيه وجعله أنواعا كثيرة ، وبعضهم جعل السحر تسعة أنواع ، بينما هو في الحقيقة نوعان فقط :
1 ـ تخييلي : كما في قصة موسى عليه السلام ، وهو الشعوذة .
2 ـ تأثيري : التفرقة بين الزوجين ، كما في قصة هاروت وماروت .
وأنصح بعدم قراءة تلك الكتب ..)) (1) .
ـ كـــــــــــــــذب السحـــــــــــــــــرة :
لعل القارىء الكريم قد وصل معي إلى نتيجة مهمة مفادها أن أغلب السحرة ـ إن لم نقل كلهم ـ كذابون وجهلة ، إلا أنهم يعتمدون على الاحتيال والذكاء ، وغفلة البسطاء والسذج ، وهم يعلمون أن ما يقومون به كذب واحتيال لا يساوي شيئا ، وليس له تأثير لا بالنفع ولا بالضر، ولكن مادام هذا الكذب والاحتيال يدرّ عليهم ثروات طائلة ودائمة فهم مستمرون فيه ، وهذه حقيقة ظاهرة يدركها البصير . إن الساحر جاهل بالدين والدنيا، ولا علم له إلا بطقوس وتعاويذ ورموز لا يفهمها ربما حتى هو نفسه ـ ناهيك عن غيره ، أو جلب أشعار وأظفار ومواد نتنة وقذرة يجمعها من هنا وهناك ، يخلطها ويضعها في أوعية جاهزة ( صرائر ) لمن يطلبها ممن هو أجهل منه وأقل عقلا وأكثر غباء ،إذن قل لي بربك : فهل أشياء كهذه تؤثر على الإنسان سلبا أو إيجابا ؟ كلا والله ، اللهم إلا عند ضعفاء الإيمان وضعفاء النفوس والموسوسين والموهومين والأغبياء ، وهؤلاء طبعا هم زبائن السحرة الدائمون .
وعليه ينبغي أن تكون نظرة المؤمن إلى الساحر كنظرته لجامع القمامة، أو عامل المسلخة مع الفارق في شرف المهنة الثابت للعاملين .
(( من خلال تجربة عمرها حوالي عشر سنوات في هذا الحقل تأكد لدينا أن الوهم الناجم من الفراغ الروحي هو المرض المسيطر على نفسيات كثير من الناس ، وأن أزيد من ثمانين إلى تسعين بالمائة من الذين يعتقدون أنهم ضحايا السحر هم في الحقيقة ضحايا الأوهام والفراغات التي تتحول إلى وساوس ، ثم تبدأ رحلة المتاعب إلى المشعوذين والدجالين والمقبورين والدراويش وأهل البركة ))(1) .
ومن الأوهام والوساوس التي رسخها الدجالون والمشعوذون في أذهان الناس أن الزوجين في ليلة البناء معرضون للسحر بالتأكيد ، وقلّ منهم من ينجو مما يجعل الأزواج يصابون بعقد الخوف والذعر والصدمات النفسية ، ويعتقدون أنه سحر، وما هو في الحقيقة إلا الوهم والرعب من سحر الربط ، ويبدأ السعي و الركض بحثا عن الرقاة المشعوذين الذين يرسخون ويؤكدون أوهام ومخاوف السحر المزعوم ، بل يصفون الفاعل وكيف ومتى، وتبدأ سلسلة من الضنون والاتهامات، والأحقاد والعداوات ، التي لا تبقي ولا تذر .
ومن ذلك أيضا الاعتقاد السائد أن البنت إذا لم تتزوج فهي مرصودة بسحر ، وما دروا أن ظاهرة العنوسة باتت مـشكـلة معـقـدة تعاني منها كثيـر من دول العالم ومنها الجزائر على وجه الخصوص. وقس على هذا بقية المشاكل الاجتماعية الأخرى : كعدم الإنجاب، أو عدم التوافق في الحياة الزوجية، أو ما يحدث من نزاعات وخلافات عائلية مردها وسببها الأول والأخير ـ في عرف المشعوذين ـ السحر ولا شيء غيره .
هذا الاعتقاد الخاطىء زرعه ورسخه أصحاب كتب الرقية والرقاة من الدجالين والمشعوذين حتى يحافظوا على سوقهم وتجارتهم ( المربحة ) ، وما دروا أنهم يأكلون السحت (1) والحرام ، وأصابوا الأمة في عقيدتها وأخلاقها، باسم الرقية وعلاج السحر واستخراج العفاريت ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ، إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين الأعراف 155 .
ـ ترّهـــــــــــــــات حول الســـــــــــــــحر :
ومن الترهات والأباطيل التي يذكرها أصحاب كتب الرقية قولهم : أن للسحرة جنود مجندة من الجن والمردة والشياطين يسخرونهم لخدمتهم وأغراضهم فيسلطونهم على من أرادوا هلاكه والقضاء عليه ، وما دروا أنهم بهذا التهويل قد وضعوهم في مكانة لا يستحقونها ، فأشهروهم وعظموهم بل رفعوهم إلى مصاف الآلهة التي تتصرف في الكون وهي عقيدة شركية كانت عند قدماء الإغريق والرومان .
إليكم ما يذكره صاحب كتاب الصارم البتار صفحة 35 تحت عنوان : كيف يحضر الساحر جنيا ، وذكر في هذا المجال ثماني طرق :
1 ـ طريقة الإقسام 2 ـ طريقة الـذبح 3 ـ الطريقة السفلية
4 ـ طريقة النجاسة 5 ـ طريقة التنكيس 6 ـ طريقة التنجيم
7 ـ طريقة الكــف 8 ـ طريقة الأثر .
ثم بدأ يشرح كل طريقة على حده مبينا ومفصّلا أعمال السحرة في استحضار الجن، وتسخيرهم لمآربهم بوصف تقشعر منه الأبدان، وتشمئز منه القلوب .
ولو كنت مكانه لما ذكرت هذه الترهات، ولضربت عن ذكرها صفحا، أو لدحضتها وهدمتها بالدليل الشرعي والعلمي،لأنها أباطيل وأكاذيب وتهويلات ملفقة لا تستحق كل هذا العناء، إضافة إلى كونها وسيلة من وسائل تجذ ير الدجل والشعوذة والخرافات ، فضلا عما تحدثه من ترويع وتخويف في نفوس الآمنين ، وكمثال على ما ذكرته تابعوا معي الطريقة الثالثة والتي سماها صاحبها ( الطريقة السفلية) (( وهذه الطريقة مشهورة بين السحرة بالطريقة السفلية وصاحبها تكون له مجموعة كبيرة من الشياطين تخدمه وتنفّـذ أمره ، لأنه أعظم السحرة كفرا وأشدهم إلحادا ـ عليه لعنة الله ، وتتلخص هذه الطريقة في ما يلي :
يقوم الساحر ـ عليه لعنات الله متتابعة ـ بارتداء المصحف في قدميه على هيئة حذاء ، ثم يدخل به الخلاء ، ثم يبدأ في تلاوة الطلاسم الكفرية داخل الخلاء ، ثم يخرج فيجلس في غرفة ويأمر الجن بما شاء ، فتجد الجن يسارعون إلى طاعته وتنفيذ أوامره ، وما ذلك إلا لأنه كفر بالله العظيم ، وأصبح أخا من إخوان الشياطين ، فقد باء بالخسران المبين ، فعليه لعنة الله رب العالمين .
ويـشترط في الساحر السفلي أن يكون مرتكبا لمجموعة من الكبائر ـ غير ما ذكرنا ـ كإتيان المحارم ، أو اللواط ، أو الزنى بأجنبية ، أو سبّ الأديان ، كل ذلك ليرضي الشيطان ..)) (1) .
قلت : قد لا يكون الكاتب أتى بهذا الهراء من وحي خياله إلا أنه نقله على غيره من المشعوذين والدجاجلة دون نقد ولا تمحيص ، ولذلك فهو باطل للأدلة التالية :
1 ـ إن السحرة جهلة ، إلا أنهم يعتمدون أساسا على الشعوذة والتلبيس في إيهام الناس ؛ لا على ارتكاب الفواحش والمنكرات والكبائر التي ذكرها الكاتب ، وهب أنهم فعلوا أكثر من هذا ، فلا أعتقد أنهم يصلون إلى مبتغاهم أو يفلحون في مسعاهم ، قال تعالى : ولا يفلح الساحر حيث أتى طه 69 .
2 ـ إن تسخير الجن والشياطين للسحرة بهذه الكيفية ما كان ولن يكون لأحد من البشر إلا ما أعطاه الله معجزة لسليمان ، قال تعالى : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات سبأ 12 / 13
والشياطين كل بناء وغواص ، وآخرين مقرنين في الأصفاد ص 37 / 38
ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين الأنبياء 82 .
3 ـ لو كان هذا الادعاء صحيحا لأصبح السحرة هم سادة العالم وأكثر قوة من المافيا وعصابات الجريمة المنظمة ، بل أعظم من أي قوة رهيبة في العالم ، ولمحيت هذه الأنظمة والدول ، ولغدا العالم يقوده السحرة وعبيدهم من الجن والشياطين .
4 ـ إن اليهود أحفاد لبيد بن الأعصم ـ عليهم لعنة الله ، لهم اليد الطولى في عالم السحر ، بحيث لا يظاهيهم ولا يباريهم أحد في هذا الميدان على وجه المعمورة ، فلو كان عمل السحرة ـ المذكور آنفا ـ صحيحا ، ويعود عليهم بمنفعة فردية أو جماعية على مستوى أمنهم وأمن كيانهم، لما تورعوا في استخدامه مهما كانت المعاصي والجرائم المرتكبة في الحصول عليه . ولما كانت هذه الأقوال مجرد هراء وخرافات لا تقدم ولا تؤخر، تركوها لغيرهم من ذوي الفكر الخرافي العقيم ، وبقي سحرهم البليغ الموجه ضد العرب والمسلمين هو : جهاز الموساد (1)وعملاؤه ، ومروحيات الأباتشي ، وطائرات ( أف 16 ) ، والقذائف العنقودية، وأسلحة الدمار الشامل .. ألا فانتبهوا من غفلتكم وغفوتكم، ولا تزيدوا من هموم الأمة وهزائمها المتعددة والكثيرة .
ـ حالات غريبة وشاذة :
وقد يسأل سائل عن تلك الحالات الغريبة والشاذة والتي تظهر بين الحين والآخر من طرف بعض الناس ، كمن يسير فوق حبل رفيع ولا يختل توازنه ،أو يحرق ورقة ويضعها في علبة ثم يغطيها بمنديل فيخرج منها حمامة ، أو أرنبا ، أو يدخل رجلا في صندوق ثم يطعنه بالسيف فيخرج سليما، فهذه إما تدخل في باب سحر التخييل كما فعله سحرة آل فرعون ، أو من باب الحيل والمهارة وخفة اليد . وهناك أشياء أخرى تندرج في إطار الغرائب الشاذة التي جعلها الله عند بعض الناس دون غيرهم ، كمن يلتهم مجموعة من شفرات الحلاقة أو ألواح الزجاج أو يجر قطارا أو تخرج من عينيه دموع زجاجية أو من أنفه قصاصات ورقية الخ ..
وفي علم النفس هناك العديد من الظواهر ليس لها تفسير مثل: إدراك ما فوق الحس كالتخاطب عن بعد، أو رؤية شيء عن بعد شاسع، أو الإحساس بالألم قبل وقوع سببه ، أو تحـريك الأشياء عن بعد ، فـهذه وأشباهها تدخل تحت ما يسمى: بعلم ما وراء النفس ( أو البارسيكولوجيا )ويزعمون أنه أصبح يدرس في الجامعات والمختبرات ، ويعد المؤسس الأول لهذا العلم هو (جوزيف راين ) الأمريكي الذي أسس أول مختبر لهذا العلم في جامعة ديوك سنة 1934(*)، والمقصود من هذا كله إخضاع هذه الخوارق ودراستها علميا وتجريبيا لمعرفة كنهها وماهيتها .
ورغم هذا وذاك تبقى هذه الأمور من الأشياء الغيبية التي لا يوجد لها تفسير واضح ، فهي من الشواذ التي تحفظ ولا يقاس عليها ، وهي قبل كل شيء من آيات الله المعجزة التي يظهرها في خلقه كما قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق فصلت / 53 .
وفي اخر هذا المقال اسأل الله سبحانه وتعالى ان ينور بصائرنا بالايمان الصحيح والعلم النافع وان يحفضنا وجميع المسلمين من كل مكروه
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسـلم