اللهم صل على سيدنا محمد و آله و سلم .
قال الفقيه القاضي الإمام الحافظ أبو الفضل عياض
بن موسى بن عياض اليحصبي رضي الله عنه : الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى ، المختص بالملك الأعز
الأحمى ، الذي ليس دونه منتهى ، و لا وراءه مرمى ، الظاهر لا تخيلا و وهما ،
الباطن تقدسا لا عدماً ، وسع كل شيء رحمةً و علماً ، و أسبغ على أوليائه نعما عماً
، و بعث فيهم رسولاً من أنفسهم عرباً و عجماً ، و أزكاهم محتداً و منمى ، و أرجحهم
عقلاً و حلماً ، و أوفرهم علماً و فهماً ، و أقواهم يقيناً و عزماً ، و أشدهم بهم
رأفة و رحمى ، و زكاه روحاً و جسماً ، وحاشاه عيباً و وصماً ، و آتاه حكمة و حكماً
، و فتح به أعيناً عمياً ، و قلوباً غلفاً ، و آذاناً صماً ، فآمن به و عزره ، و
نصره من جعل الله له في مغنم السعادة قسماً ، و كذب به و صدف عن آياته من كتب الله
عليه الشقاء حتماً ، و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى . صلى الله عليه
وسلم صلاةً تنمو و تنمى ، و على آله و سلم تسليماً كثيراً .
أما بعد أشرق الله قلبي و قلبك بأنوار اليقين ، و لطف لي و لك بما لطف لأوليائه
المتقين ، الذين شرفه م الله بنزل قدسه ، و أوحشهم من الخليقة بأنسه ، و خصهم من
معرفته و مشاهدة [ 2 ] عجائب ملكوته و آثار قدرته بما ملأ قلوبهم حبرة ، و وله
عقولهم في عظمته حيرة ، فجعلوا همهم به واحداً ، و لم يروا في الدارين غيره مشاهدا
، فهم بمشاهدة جماله و جلاله يتنعمون ، و بين آثار قدرته و عجائب عظمته يترددون ،
و بالإنقطاع إليه و التوكل عليه يتعززون ، لهجين بصادق قوله : قل الله ثم ذرهم في
خوضهم يلعبون ( سورة الأنعام / 6 : آية 91 ) .
فإنك كررت علي السؤال في مجموع يتضمن التعريف بقدر المصطفى عليه الصلاة والسلام ،
و ما يجب له من توقير و إكرام ، و ما حكم من لم يوف واجب عظيم ذلك القدر ، أو قصر
في حق منصبه الجليل قلامة ظفر ، و أن أجمع لك ما لأسلافنا وأئمتنا في ذلك من مقال
، و أبينه بتنزيل صور و أمثال .
فاعلم _ أكرمك الله _ أنك حملتني من ذلك أمراً إمراً ، و أرهقتني فيما ندبتني إليه
عسراً ، و أرقيتني بما كلفتني مرتقى صعباً ، ملأ قلبي رعباً ، فإن الكلام في ذلك
يستدعي تقرير أصول و تحرير فصول ، و الكشف عن غوامض و دقائق من علم الحقائق ، مما
يجب للنبي صلى الله عليه وسلم ويضاف إليه ، أو يمتنع أو يجوز عليه ، و معرفة النبي
و الرسول ، و الرسالة و النبوة ، و المحبة و الخلة ، و خصائص هذه الدرجة العلية ،
و ها هنا مهامه فيح تحار فيها القطا ، و تقصر بها الخطا ، و مجاهل تضل فيها
الأحلام إن لم تهتد بعلم علم و نظر سديد ، و مداحض تزل[3] بها الأقدام ،إن لم
تعتمد على توفيق من الله وتأييد .
لكني
لما رجوته لي و لك في هذا السؤال و الجواب من نوال و ثواب ، بتعريف قدره الجسيم ،
و خلقه العظيم ، و بيان خصائصه التي لم تجتمع قبل في مخلوق ، و ما يدان الله تعالى
به من حقه الذي هو أرفع الحقوق ، ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، و يزداد الذين
آمنوا إيماناً ، و لما أخذ الله تعالى على الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس و لا
يكتمونه .
و لما حدثنا به أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه ، قال : حدثنا الحسين
ابن محمد ، حدثنا أبو عمر النمري حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا أبو بكر
محمد ابن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا موسى بن اسماعيل ، حدثنا حماد ،
حدثنا علي بن الحكم ، عن عطاء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة .
فبادرت إلى نكت مسفرة عن وجه الغرض ، مؤدياً من ذلك الحق المفترض ، اختلسها على
استعجال ، لما المرء بصدده من شغل البدن و البال ، بما طوقه من مقاليد المحنة التي
ابتلى بها ، فكادت تشغل عن كل فرض و نفل ، و ترد بعد حسن التقويم إلى أسفل سفل ، و
لو أراد الله بالإنسان خيراً لجعل شغله و همه كله فيما يحمد غداً أو يذم محله ،
فليس ثم سوى حضرة النعيم ، أو عذاب الجحيم ، و لكان عليه بخويصته ، و استنفاذ
مهجته و عمل صالح يستزيده ، و علم نافع يفيده أو يستفيده .
جبر الله صدع قلوبنا ، و غفر عظيم ذنوبنا ، و جعل جميع [ 3 ] استعدادنا لمعادنا ،
و توفر دواعينا فيما ينجينا و يقربنا إليه زلفة ، و يحظينا بمنه و كرمه و رحمته .
و لما نويت تقريبه ، و درجت تبويبه ، و مهدت تأصيله ، و خلصت تفصيله ، و انتحيت
حصره و تحصيله ، ترجمته ب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، و حصرت الكلام فيه في أقسام
أربعة :
القسم الأول : في تعظيم العلي الأعلى لقدر هذا النبي
قولاً و فعلاً ، و توجه الكلام فيه في أربعة أبواب :
الباب الأول : في ثنائه تعالى عليه ، و اظهاره عظيم قدره لديه ، و فيه عشرة فصول .
الباب الثاني : في تكميله تعال ى له المحاسن خلقاً و خلقاً ، قرانه جميع الفضائل
الدينية و الدنيوية فيه نسقاً ، و فيه سبعة و عشرون فصلاً .
الباب الثالث : فيما ورد من صحيح الأخبار و مشهورها [ 4 ] بعظيم قدره عند ربه و
منزلته ، و ما خصه به في الدارين من كرامته ، و فيه اثنا عشر فصلاً .
الباب الرابع : فيما أظهره الله تعالى على يديه من الآيات و المعجزات ، و شرفه به
من الخصائص و
الكرامات ، و فيه ثلاثون فصـل .
القسم الثاني : فيما يجب على الأنام من حقوقه عليه السلام ، و يترتب القول فيه في
أربعة أبواب :
الباب الأول : في فرض الإيمان به و وجوب طاعته و اتباع سنته ، و فيه خمسة فصول .
الباب الثاني : في لزوم محبته و منا صحته ، و فيه ستة فصول .
الباب الثالث : في تعظيم أمره و لزوم توقيره و بره ، و فيه سبعة فصول .
الباب الرابع : في حكم الصلاة عليه و التسليم و فرض ذلك و فضيلته ، و فيه عشرة
فصول .
القسم الثالث : ـ فيما يستحيل في حقه ، و ما يجوز عليه شرعاً ، و ما يمتنع و يصح
من الأمور البشرية أن يضاف إليه .
و هذا القسم ـ أكرمك الله ـ هو سر الكتاب ، و لباب ثمرة هذه الأبواب ، و ما قبله
له كالقواعد و التمهيدات و الدلائل على ما ن ورده فيه من النكت البينات ، و هو
الحاكم على ما بعده ، و المنجز من غرض هذا التأليف و عده ، و عند التقصي لموعدته ،
و التفصي عن عهدته ، يشرق صدر العدو اللعين ، و يشرق قلب المؤمن باليقين ، و تملأ
أنواره جوانح صدره و يقدر العاقل النبي حق قدره . و يتحرر الكلام فيه في بابين [5
] :
الباب الأول : فيما يختص بالأمور الدينية ، و يتشبث به القول في العصمة و فيه ستة
عشر فصلاً .
الباب الثاني : في أحواله الدنيوية ، و ما يجوز طروءه عليه من الأعراض البشرية،و
فيه تسعة فصول.
القسم الرابع : في تصرف وجوه الأحكام على من تنقصه أو سبه صلى الله عليه و سلم و
ينقسم الكلام فيه في بابين :
الباب الأول : في بيان ما هو في حقه سب و نقص ، من تعريض ، أو نص ، و فيه عشرة
فصول .
الباب الثاني : في حكم شانئه و مؤذيه و متنقصه و عقوبته ، و ذكر استتابته ، و
الصلاة عليه و وراثته ، و فهي عشرة فصول .
و ختمناه بباب ثالث جعلناه تكملة لهذه المسألة [ 5 ] ، و وصلة للبابين اللذين قبله
في حكم من سب الله تعالى و رسله و ملائكته و كتبه ، و آل النبي رسول الله صلى الله
عليه وسلم و صحبه .
و اختصر الكلام فيه في خمسة فصول ، و بتمامها ينتجز الكتاب ، و تتم الأقسام و
الأبواب ، و تلوح في غرة الإيمان لمعة منيرة ، و في تاج التراجم درة خطيرة ، تزيح
كل لبس ، و توضح كل تخمين و حدس ، و تشفي صدور قوم مؤمنين ، و تصدع بالحق ، و تعرض
عن الجاهلين ، و با لله تعالى ـ لا إله سواه ـ أستعين .