في قسمه تعالى جده ، له ،
ليحقق مكانته عنده
قال
جل اسمه : والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من
الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك
عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث
[سورةالضحى / 93: الأية 93 ]
اختلف في سبب نزول هذه السورة ، فقيل : كان ترك النبي صلى الله عليه و سلم قيام
الليل لعذر نزل به ، فتكلمت امرأة في ذلك بكلام .
و قيل : بل تكلم به المشركون عند فترة الوحي ، فنزلت السورة .
قال القاضي الإمام أبو الفضل : تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعلى له ، و تنويهه
به و تعظيمه إياه ستة و جوه :
الاول : القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى والضحى * والليل إذا سجى . أي
و رب الضحى ،و هذا من أعظم درجات المبرة .
الثاني : بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى ، أي
ماتركك و ما أبغضك . و قيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك .
الثالث : قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ، قال ابن إسحاق : اي مالك في
مرجعك ع ند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا .
و قال سهل : أي ما ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود خير لك مما أعطيتك في
الدنيا .
الرابع : قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى
و هذه أيه جامعة لوجوه الكرامة ، و أنواع السعادة ، و شتات الإنعام في الدارين . و
الزيادة .
قال ابن إسحاق : يرضيه بالفلج في الدنيا ، و الثواب في الأخرة .
و قيل : يعطيه الحوض و الشفاعة.
و روي عن بعض آل النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليس آية في القرآن أرجى منها
، و لا يرضى رسول صلى الله عليه و سلم أن يدخل أحد من أمته النار .
الخامس : ما عدده تعالى عليه من نعمه ، و قرره من آلائه قبله في بقية السورة ، من
هدايته إلى ما هداه له ، أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير ، ولا مال له ، فأغناه
بما آتاه ، أو بما جعله في قلبه من القناعة و الغنى ، و يتيماً فحدب عليه عمه و
آواه إليه .
و قيل : آواه إلى الله . و قيل : يتيماً : لا مثال لك ، فآواك إليه .
و قيل : المعنى : ألم يجدك فهدى بك ضالاً ، و أغنى بك عائلاً ، و آوى بك يتيماً ـ
ذكره بهذه المنن ، و أنه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره و عيلته و
يتمه و قبل معرفته به ، و لا و دعه ولا قلاه ، فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !
السادس : أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و اشادة ذكره بقوله تعالى :
وأما بنعمة ربك فحدث ، فإن من شكر النعمة الحديث بها ، و هذا خاص له ، عام لأمته .
و قال تعالى : والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو
إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا
فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى
* أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة
المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه
الكبرى [ سورة النجم / 53 : الآيات 1 : 18 ] .
اختلف المفسرون في قوله تعالى : والنجم بأقاويل معروفة ، منها النجم على ظاهره ، و
منها القرآن .
و عن جعفر بن محمد أنه محمد عليه السلام ، و قال : هو قلب محمد .
و قد قيل في قوله تعالى : والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ـ
إن النجم هنا أيضاً محمد صلى الله عليه و سلم ، حكاه السلمي .
تضمنت هذه الأيات من فضله و شرفه العد ما يقف دونه العد ، و أقسم جل اسمه على
هداية المصطفى ، و تنزيهه عن الهوى ، و صدقه فيما تلا ، و أنه وحي يوحى أوصله إليه
ـ عن الله ـ جبريل ، و هو الشديد القوى .
ثم أخبر تعالى عن فضيلته بقصة الإسراء ، و انتهائه إلى سدرة المنتهى ، و تصديق
بصره فيما رأى ، و أنه رأى من آيات ربه الكبرى . [ 14 ] . و قد نبه على مثل هذا في
أول سورة الإسراء .
و لما كان ما كاشفه به عليه السلام من ذلك الجبروت ، و شاهده من عجائب الملكوت
لا تحيط به العبارات ، ولاتستقل بحمل سماع
أذناه العقول ـ رمز عنه تعالى بالإيماءة و الكناية الدالة على التعظيم ، فقال
تعالى : فأوحى إلى عبده ما أوحى [ سورة النجم / 53 : الآية 10 ] .
و هذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد و البلاغة بالوحي و الإشارة ، و هو عندهم
أبلغ أبواب الإيجاز .
و قال تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ـ انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى ، و
تاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى .
قال القاضي أبو الفضل : اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته عليه
السلام ، و عصمتها من الآفات في هذا المسرى ، فزكى فؤاده و لسانه و جوارحه : فزكى
قلبه بقوله : ما كذب الفؤاد ما رأى . و لسانه بقوله : وما ينطق عن الهوى .و بصره
بقوله : ما زاغ البصر وما طغى [ سورة النجم / 53 : الآية 17 ] .
و قال تعالى : فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا
تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما
صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول
شيطان رجيم [ سورة التكوير / 81 : الأيات : 15 ، 25 ] .
لا أقسم : أي أقسم . إنه لقول رسول كريم ، أي كريم عند مرسله . ذي قوة على تبليغ
ما حمله من الوحي ، مكين : أي متمكن المنزلة من ربه ، رفيع المحل عنده ، مطاع ثم :
أي في السماء . أمين على الوحي .
قال علي بن عيسى و غيره : الرسول الكريم هنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فجميع
الأوصاف بعد على هذا له .
و قال غيره : هو جبريل ، فترجع الأوصاف إليه .
و لقد رآه ـ يعني محمداً . قيل : رأى ربه . و قيل : رأى جبريل في صورته .
وما هو على الغيب بضنين ، أي : بمتهم . و من قرأها بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل با
لدعاء به ، و التذكير بحكمه و بعلمه ، و هذه لمحمد عليه السلام باتفاق .
و قال تعالى : ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير
ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم
بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون *
ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك
زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * سنسمه
على الخرطوم [ سورة القلم / 68 : الآيات : 1 ، 16 ] .
أقسم الله تعالى بما أقسم به من عظيم قسمه على تنزيه المصطفى بما غمصته ، الكفرة
به ، و تكذيبهم له ، و أنسه ، و بسط أمله بقوله ـ محسناً خطابه : ما أنت بنعمة ربك
بمجنون . و هذه نهاية المبرة في المخاطبة ، و أعلى درجات الآداب في المحاورة ، ثم
أعلمه بماله عنده من نعيم دائم ، و ثواب غير منقطع ، لا يأخذه عد ، و لا يمتن به
عليه ، فقال تعالى وإن لك لأجرا غير ممنون .
ثم أثنى عليه بما منحه من هباته ، و هداه إليه ، و أكد ذلك تتميماً للتمجيد ،
بحرفي التأكيد ، فقال تعال : وإنك لعلى خلق عظيم . قيل : القرآن و قيل : الإسلام .
و قيل : الطبع الكريم . و قيل : ليس لك همة إلا الله . قال الواسطي : أثنى عليه
بحسن قبوله لما أسداه إليه من نعمه ، و فضله بذ لك على غيره ، لأنه جبله على ذلك
الخلق ، فسبحان اللطيف الكريم ، المحسن الجواد ، الحميد الذي يسر للخير و هدى إليه
، ثم أثنى على فاعله ، و جازاه عليه سبحانه ، ما أغمز نواله ، و أوسع إفضاله ، ثم
سلاه عن قولهم بعد هذا بما و عده به من عقباهم ، و توعدهم بقوله : فستبصر ويبصرون
* بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [ سورة
القلم /68 : الأيات : 5،7 ] .
ثم عطف بعد مدحه على ذم عدوه ، و ذكره سوء خلقه ،و عد معايبه ، متولياً ذلك بفضله
، و منتصراً لنبيه ، فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله : فلا تطع
المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع
للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا
قال أساطير الأولين ثم ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه و ختامه بواره بقوله :
سنسمه على الخرطوم . فكانت هنصرة الله [ 15 ] له أتم من نصرته لنفسه ، و رده تعالى
على عدوه أبلغ من رده ،وأثبت من ديوان مجده .
ليحقق مكانته عنده
قال
جل اسمه : والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من
الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك
عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث
[سورةالضحى / 93: الأية 93 ]
اختلف في سبب نزول هذه السورة ، فقيل : كان ترك النبي صلى الله عليه و سلم قيام
الليل لعذر نزل به ، فتكلمت امرأة في ذلك بكلام .
و قيل : بل تكلم به المشركون عند فترة الوحي ، فنزلت السورة .
قال القاضي الإمام أبو الفضل : تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعلى له ، و تنويهه
به و تعظيمه إياه ستة و جوه :
الاول : القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى والضحى * والليل إذا سجى . أي
و رب الضحى ،و هذا من أعظم درجات المبرة .
الثاني : بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى ، أي
ماتركك و ما أبغضك . و قيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك .
الثالث : قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ، قال ابن إسحاق : اي مالك في
مرجعك ع ند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا .
و قال سهل : أي ما ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود خير لك مما أعطيتك في
الدنيا .
الرابع : قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى
و هذه أيه جامعة لوجوه الكرامة ، و أنواع السعادة ، و شتات الإنعام في الدارين . و
الزيادة .
قال ابن إسحاق : يرضيه بالفلج في الدنيا ، و الثواب في الأخرة .
و قيل : يعطيه الحوض و الشفاعة.
و روي عن بعض آل النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليس آية في القرآن أرجى منها
، و لا يرضى رسول صلى الله عليه و سلم أن يدخل أحد من أمته النار .
الخامس : ما عدده تعالى عليه من نعمه ، و قرره من آلائه قبله في بقية السورة ، من
هدايته إلى ما هداه له ، أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير ، ولا مال له ، فأغناه
بما آتاه ، أو بما جعله في قلبه من القناعة و الغنى ، و يتيماً فحدب عليه عمه و
آواه إليه .
و قيل : آواه إلى الله . و قيل : يتيماً : لا مثال لك ، فآواك إليه .
و قيل : المعنى : ألم يجدك فهدى بك ضالاً ، و أغنى بك عائلاً ، و آوى بك يتيماً ـ
ذكره بهذه المنن ، و أنه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره و عيلته و
يتمه و قبل معرفته به ، و لا و دعه ولا قلاه ، فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !
السادس : أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و اشادة ذكره بقوله تعالى :
وأما بنعمة ربك فحدث ، فإن من شكر النعمة الحديث بها ، و هذا خاص له ، عام لأمته .
و قال تعالى : والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو
إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا
فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى
* أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة
المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه
الكبرى [ سورة النجم / 53 : الآيات 1 : 18 ] .
اختلف المفسرون في قوله تعالى : والنجم بأقاويل معروفة ، منها النجم على ظاهره ، و
منها القرآن .
و عن جعفر بن محمد أنه محمد عليه السلام ، و قال : هو قلب محمد .
و قد قيل في قوله تعالى : والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ـ
إن النجم هنا أيضاً محمد صلى الله عليه و سلم ، حكاه السلمي .
تضمنت هذه الأيات من فضله و شرفه العد ما يقف دونه العد ، و أقسم جل اسمه على
هداية المصطفى ، و تنزيهه عن الهوى ، و صدقه فيما تلا ، و أنه وحي يوحى أوصله إليه
ـ عن الله ـ جبريل ، و هو الشديد القوى .
ثم أخبر تعالى عن فضيلته بقصة الإسراء ، و انتهائه إلى سدرة المنتهى ، و تصديق
بصره فيما رأى ، و أنه رأى من آيات ربه الكبرى . [ 14 ] . و قد نبه على مثل هذا في
أول سورة الإسراء .
و لما كان ما كاشفه به عليه السلام من ذلك الجبروت ، و شاهده من عجائب الملكوت
لا تحيط به العبارات ، ولاتستقل بحمل سماع
أذناه العقول ـ رمز عنه تعالى بالإيماءة و الكناية الدالة على التعظيم ، فقال
تعالى : فأوحى إلى عبده ما أوحى [ سورة النجم / 53 : الآية 10 ] .
و هذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد و البلاغة بالوحي و الإشارة ، و هو عندهم
أبلغ أبواب الإيجاز .
و قال تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ـ انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى ، و
تاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى .
قال القاضي أبو الفضل : اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته عليه
السلام ، و عصمتها من الآفات في هذا المسرى ، فزكى فؤاده و لسانه و جوارحه : فزكى
قلبه بقوله : ما كذب الفؤاد ما رأى . و لسانه بقوله : وما ينطق عن الهوى .و بصره
بقوله : ما زاغ البصر وما طغى [ سورة النجم / 53 : الآية 17 ] .
و قال تعالى : فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا
تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما
صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول
شيطان رجيم [ سورة التكوير / 81 : الأيات : 15 ، 25 ] .
لا أقسم : أي أقسم . إنه لقول رسول كريم ، أي كريم عند مرسله . ذي قوة على تبليغ
ما حمله من الوحي ، مكين : أي متمكن المنزلة من ربه ، رفيع المحل عنده ، مطاع ثم :
أي في السماء . أمين على الوحي .
قال علي بن عيسى و غيره : الرسول الكريم هنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فجميع
الأوصاف بعد على هذا له .
و قال غيره : هو جبريل ، فترجع الأوصاف إليه .
و لقد رآه ـ يعني محمداً . قيل : رأى ربه . و قيل : رأى جبريل في صورته .
وما هو على الغيب بضنين ، أي : بمتهم . و من قرأها بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل با
لدعاء به ، و التذكير بحكمه و بعلمه ، و هذه لمحمد عليه السلام باتفاق .
و قال تعالى : ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير
ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم
بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون *
ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك
زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * سنسمه
على الخرطوم [ سورة القلم / 68 : الآيات : 1 ، 16 ] .
أقسم الله تعالى بما أقسم به من عظيم قسمه على تنزيه المصطفى بما غمصته ، الكفرة
به ، و تكذيبهم له ، و أنسه ، و بسط أمله بقوله ـ محسناً خطابه : ما أنت بنعمة ربك
بمجنون . و هذه نهاية المبرة في المخاطبة ، و أعلى درجات الآداب في المحاورة ، ثم
أعلمه بماله عنده من نعيم دائم ، و ثواب غير منقطع ، لا يأخذه عد ، و لا يمتن به
عليه ، فقال تعالى وإن لك لأجرا غير ممنون .
ثم أثنى عليه بما منحه من هباته ، و هداه إليه ، و أكد ذلك تتميماً للتمجيد ،
بحرفي التأكيد ، فقال تعال : وإنك لعلى خلق عظيم . قيل : القرآن و قيل : الإسلام .
و قيل : الطبع الكريم . و قيل : ليس لك همة إلا الله . قال الواسطي : أثنى عليه
بحسن قبوله لما أسداه إليه من نعمه ، و فضله بذ لك على غيره ، لأنه جبله على ذلك
الخلق ، فسبحان اللطيف الكريم ، المحسن الجواد ، الحميد الذي يسر للخير و هدى إليه
، ثم أثنى على فاعله ، و جازاه عليه سبحانه ، ما أغمز نواله ، و أوسع إفضاله ، ثم
سلاه عن قولهم بعد هذا بما و عده به من عقباهم ، و توعدهم بقوله : فستبصر ويبصرون
* بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [ سورة
القلم /68 : الأيات : 5،7 ] .
ثم عطف بعد مدحه على ذم عدوه ، و ذكره سوء خلقه ،و عد معايبه ، متولياً ذلك بفضله
، و منتصراً لنبيه ، فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله : فلا تطع
المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع
للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا
قال أساطير الأولين ثم ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه و ختامه بواره بقوله :
سنسمه على الخرطوم . فكانت هنصرة الله [ 15 ] له أتم من نصرته لنفسه ، و رده تعالى
على عدوه أبلغ من رده ،وأثبت من ديوان مجده .