فيما
ورد من قوله تعالى في جهته عليه السلام مورد الشفقة و الإكرام
قال تعالى : طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ سورة طه /20: الأية1،2] قيل : طه
: اسم من أسمائه عليه السلام . و قيل : هو اسم الله، و قيل : معناه يارجل .و قيل :
يا إنسان . و قيل : هي حروف مقطعة لمعان . و قال الواسطي : أراد يا طاهر ، يا هادي
. و قيل : هو أمر من الوطء . و الهاء كناية عن الأرض ، أي اعتمد على الأرض بقدميك
، ولا تتعب نفسك بالإعتماد على قدم واحد ، و هو قوله تعالى : ما أنزلنا عليك
القرآن لتشقى .
نزلت الآية فيما كان النبي صلى الله عليه و سلم يتكلفه من السهر و التعب و قيام
الليل.
أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ، و غير واحد ، عن القاضي أبي
الوليد الباجي إجازة ، و من أصله نقلت ، قال : حدثنا أبوذر الحافظ ، حدثنا أبو
محمد الحموي ،حدثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا هاشم بن
القاسم ، عن أبي جعفر ،عن الربيع بن انس ، قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم
إذا صلى قام على رجل و رفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى : طه ـ يع ني طأ الأرض يا
محمد ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض
والسماوات العلى [سورة طه /20: الأيات 2 : 4 ] .
و لا خفاء بما في هذا كله من الإكرام و حسن المعاملة .
و إن جعلنا طه من أسمائه عليه السلام كما قيل ، أو جعلت قسماً لحق الفصل بما قبله
.
و مثل هذا من نمط الشفقة و المبرة قوله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم
يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ، أي قاتل نفسك لذلك غضباً أو غيظاً ، أو جزعاً .
و مثله قوله تعالى أيضاً : لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ، ثم قال : إن نشأ
ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين [ سورة الشعراء / 26 : الآية 4
] .
و من هذا الباب قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك
المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون * ولقد نعلم أنك يضيق
صدرك بما يقولون [ سورة الحجر / 15 : الآيات 94 : 97 ] .
و قوله : ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون [
سورة الأنعام / 6 : آية 10 ، و سورة الأنبياء / 21 : الآية 41 ] .
قال مكي : سلاه بما ذكر ، و هون عليه ما يلقى من المشركين ، و أعلمه أن من تمادى
على ذلك يحل به ما بمن قبله .
و مثل هذه التسلية قوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك [ سورة فاطر / 35
: الآية 4 ] .
و من هذا قوله تعالى : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون
[ سورة الذاريات / 51 : الآية 52 ] .
عزاه الله تعالى بما أخبر به عن الأمم السالفة و مقاليها لأنبيائهم قبله ، و
محنتهم بهم ، و سلاه بذلك من محنته بمثله من كفار مكة ، و أنه ليس أول من لقي ذلك
، ثم طيب نفسه ، و أبان عذره بقوله تعالى : فتول عنهم ، أي أعرض عنهم ، فما أنت
بملوم ، أي في أداء ما بلغت و إبلاغ ما حملت .
و مثله قوله تعالى : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ، أي اصبر على أذاهم فإنك بحيث
نراك و نحفظك .
سلاه الله تعالى بهذا في آي كثيرة من هذا المعنى .