في تكميل الله تعالى له
المحاسن خلقاً و خلقاً و قرانه جميع الفضائل الدينية و الدنيوية فيه نسقاً
اعلم أيها المحب لهذا
النبي الكريم صلى الله عليه و سلم ، الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال
الجلال و الكمال في البشر نوعان : ضروري دنيوي اقتضته الجبلة و ضرورة الحياة
الدنيا ، و مكتسب ديني ، و هو ما يحمد فاعله ، و يقرب إلى الله تعالى زلفى .
ثم هي على فنين أيضاً : منها ما يتلخص لأحد الوصفين . و منها ما يتمازج و يتداخل .
فأما الضروري المخص فما ليس للمرء فيه اختيار و لا اكتساب ، مثل ما كان في جبلته
من كمال خلقته ، و جمال صورته ، و قوة عقله ، و صحة فهمه ، و فصاحة لسانه ، و قوة
حواسه و أعضائه ، و اعتدال حركاته ، و شرف نسبه ، و عزة قومه ، وكرم أرضه ، و يلحق
به ما تدعوه ضرورة حياته إليه ، من غذائه و نومه ، و ملبسه و مسكنه ، و منكحه ، و
ما له و جاهه .
و قد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى و معونة البدن على سلوك
طريقها ، و كانت على حدود الضرورة و قوانين الشريعة .
و أما المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية ، و الأداب الشرعية : من الدين و
العلم ، و الحلم ، و الصبر ، و الشكر ، و المروءة ، و الزهد ، و التواضع ، و العفو
، والعفة ، و الجود ، و الشجاعة ، و الحياء ، و المروءة ، والصمت ، و التؤدة ، و
الوقار ، و الرحمة ، و حسن الأدب و المعاشرة ، و أخواتها ، و هي التي جمعها حسن
الخلق .
و قد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة و أصل الجبلة لبعض الناس .
و بعضهم لا تكون فيه ، فيكتسبها ، و لكنه لابد أن يكون فيه من أصولها في أصل
الجبلة شعبة كما سنبينه إن شاء الله .
و تكون هذه الأخلاق دنيوة إذا لم يرد بها وجه الله و الدار الآخرة ، و لكنها كلها
محاسن و فضائل باتفاق أصحاب العقول السليمة ، و إن اختلفوا في موجب حسنها و
تفضيلها .