صدى الزواقين وزان وجبالة

صدى الزواقين Echo de Zouakine
صدى الزواقين وزان وجبالة echo de zouakine ouezzane et jbala

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين وزان وجبالة

صدى الزواقين Echo de Zouakine
صدى الزواقين وزان وجبالة echo de zouakine ouezzane et jbala

صدى الزواقين وزان وجبالة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صدى الزواقين وزان وجبالة ذكريات تراث تقاليد تعارف ثقافة وترفيه


    المبالغة والإيجاز في بيان القرآن

    الشيخ الداودي
    الشيخ الداودي
    راقي ومعالج
    راقي ومعالج


    عدد الرسائل : 1046
    ذكر

    تاريخ التسجيل : 20/07/2008
    نقاط : 1858

    المبالغة والإيجاز في بيان القرآن Empty المبالغة والإيجاز في بيان القرآن

    مُساهمة من طرف الشيخ الداودي الجمعة 24 يونيو 2011 - 12:49

    المبالغة والإيجاز في بيان القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أهلا بكم ومرحبا مع سحر القرآن، هذه الحلقات التي نتحدث فيها عن إعجاز
    القرآن لكننا لن نأخذ كل أنواع الإعجاز لأن الأعجاز ما شاء الله يعني بحر
    لا ينتهي وإنما سنركز فيها فقط على الجانب البياني من القرآن وقليل من
    الجوانب، هذا الجانب البياني هو الذي سحر العرب ببيانه "إن من البيان
    لسحرا" وهذا الذي نقصده بسحر القرآن، وكنت قد حدثتكم عن شئ من قصص لكن طلب
    مني بعض الإخوة أن أخفف من القصص.. أنتقل إلى تفاصيل الآيات وإعجازها
    فسأنتقل إليها وقد أعود إلى شيء من القصص لاحقا إن شاء الله تعالى، من
    أنواع هذا الإعجاز وأنواع البلاغة التي يستعملها العرب أشكال.. يعني
    المتخصصون في قضية اللغة العربية.. أقول: يعني ما شاء الله، الله يعينهم،
    بحر لا ينتهي، ولست من المتخصصين وإنما أنقل عن الآخرين من العلماء وأبسط
    ذلك لعامة الناس، من أنواع هذا الإعجاز وهذه البلاغة المبالغة والإيجاز،
    القرآن يحتوي على كل أنواع البلاغة، كل أشكال البلاغة موجودة في القرآن،
    هنا في هذه الحلقة سنأخذ نموذجين.. نموذج المبالغة لما يريد الله سبحانه
    وتعالى أن يهول أمرا ويصوره بصورة يعني تجعل الخيال لا يصل إليها يستعمل
    ألفاظا عجيبة جدا، سأذكر لكم نماذج من هذه المبالغة، وعندما يوجز القرآن
    نجد في جملة صغيرة معان جليلة وكبيرة لا يمكن.. لا يمكن أن يأتي بشر
    ويستعمل كل هذه المعاني في جملة بمثل هذا القصر وبمثل هذه البلاغة،
    وسأعطيكم نماذجاً على الإيجاز في القرآن، فالمبالغة والإيجاز حلقتنا لهذا
    اليوم.
    أن تبلغ أقصى الغاية وأبعد النهاية هذه المبالغة ولا تقتصر في العبارة على
    أدنى المنازل وأقرب المراتب، خلونا نأخذ أمثلة من القرآن الكريم، الله
    سبحانه وتعالى لما يريد أن يصف لنا أهوال يوم القيامة.. انظروا للألفاظ
    التي تستعمل.. يعني ما جاء.. لو جاء واحد أديب: يوم القيامة مخيف جدا جدا
    ويجعل كل إنسان يخاف ويرتعد.. استعمال هذا بمحاولة تفخيم أمر القيامة
    والتخويف منها، انظروا الأسلوب القرآني في وصف يوم القيامة وأهوال يوم
    القيامة.. يقول الله سبحانه وتعالى:
    { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
    أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
    سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
    (2) } انظروا ماذا قال العلماء.. { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ }
    يقول أهل البلاغة: لو قال: يوم تذهل كل امرأة عن ولدها لكان كافيا وكان بيانا حسنا وبلاغة كاملة، لكن لما قال:
    { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ }
    خاصة المرضعة.. ليه؟ لأن فيها مبالغة، المرضعة أشفق على ولدها لمعرفتها
    بحاجة الولد إليها وأشغف به لقربه منها ولزومها إياه باستمرار.. لا يفارقها
    ليلا ونهارا.. فيقولون: على درجة القرب تكون المحبة والألفة، فلأنها أقرب
    إلى حب ولدها وشفقتها عليه في حال إرضاعها إياه استعملها الله سبحانه
    وتعالى كمثال، نأخذ مثالا ثانيا على المبالغة، الله سبحانه وتعالى لما يصف
    أعمال الكافر.. أنها لا شيء.. يقول:
    { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ
    يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
    وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ
    الْحِسَابِ
    (39) }
    يقول الله عز وجل.. هذه أعمال الكافر.. يوم القيامة يظن الإنسان إن عنده
    شيء يأتي إليها وإذ هي لا شيء ويجد الله سبحانه وتعالى يحاسبه وهو ما عنده
    أي شيء، المثال على ذلك ما هو؟ مثل إنسان يمشي في صحراء.. تعرفون في شدة
    الحر يبان من بعيد سراب فكأنك ترى ماء.. فكلما اقتربت منه تجد أنه ما في
    شيء، يقول أهل البلاغة أيضا.. يقولون: لو قال: يحسبه الرائي لكن جيدا ولكنه
    لما أراد المبالغة ما قال: يحسبه الرائي ماء وإنما قال: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً
    } لأن الظمآن أشد حاجة إلى الماء من الرائي وهو على الماء أحرص، فمن هنا
    كانت المبالغة، لما أرادت قريش معارضة القرآن عكف الفصحاء الذين تعاطوا ذلك
    على أنواع المبالغة.. يعني كانوا متعودين على أن يبالغوا في الخمر وفي
    الضأن وفي كذا إلى أن بلغوا مجهودهم فلما حاولوا ذلك ووصلوا وبلغهم قول
    الله عز وجل:
    وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي
    وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ
    وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِين
    َ
    جملة..
    آية واحدة تصف كيف.. بعد قصة نوح عليه السلام.. تصف كيف الأرض بلعت الماء
    والسماء أمرت بالتوقف.. أقلعي.. وانجر الماء داخل الأرض وبرزت الجبال، كل
    هذا في آية واحدة، واستوت السفينة على الجبل وهلك الكفار، وكل هذا في آية
    واحدة، قصة كاملة في آية واحدة، فلما وصل أهل البلاغة الذين حاولوا.. فكروا
    أن يعني يقولوا قولا شبيها بالقرآن فعرفوا أن.. لما وصلوا لهذه.. لا، هذا
    الكلام ليس كلام مخلوق، فيئسوا مما طمِعوا فيه وتوقفوا عن المحاولة، ومن
    أنواع المبالغات أو من أنواع البلاغة ما جاء عن الأصمعي، روي أن الأصمعي
    رحمه الله تعالى- من علماء اللغة العربية الكبار- يقول: اجتزت ببعض أحياء
    العرب فرأيت فتاة صغيرة، العرب كانوا في منتهى الفصاحة، فرأيت صبية معها
    قربة ماء- قربة مليئة بالماء- وانفتح فم القربة وبدأ الماء ينصب منها فقالت
    تناديني: يا عمي أدرك فاها.. غلبني فوها.. لا طاقة لي بفيها، تعرفون.. فوه
    من الأسماء الخمسة يرفع بالضم.. بالواو وينصب بالألف ويجر بالياء، ففي
    جملة واحدة استعملتها كلها فقال الأصمعي متعجبا.. يعني هكذا بداهة ما هو
    تأليف.. فقال الأصمعي: ما أفصحكِ؟ فقالت: يا عم وهل ترك القرآن فصاحة وفيه
    آية فيها خبران وأمران ونهيان وبشارتان؟ آية واحدة فيها كل هذا، قال: وما
    هي؟ قالت: قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ} هذا الخبر الأول أوحينا { أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ} هذا الأمر الأول { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ..} هذا الخبر الثاني {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ هذا الأمر الثاني {وَلَا تَخَافِي ..} هذا النهي الأول {وَلَا تَحْزَنِي } هذا النهي الثاني {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} هذه البشارة الأولى {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
    هذه البشارة الثانية، فقال الأصمعي: رجعت بفائدة، وكأن هذه الآية ما مرت
    عليّ من قبل، شيء عجيب، فهذا نموذج لشيء من البلاغة في القرآن، بعد الفاصل
    إن شاء الله أحدثكم عن الإيجاز والبلاغة في الإيجاز في كتاب الله رب
    العالمين.
    أنواع
    البلاغة في كتاب الله عز وجل لا حصر لها وسأحاول ألا أكتفي فقط بالقصص في
    كتاب الله عز وجل والقصص التي أثرت في العرب وإنما سأذكر أيضا شيء من سحر
    البيان في كتاب الله عز وجل، الحقيقة الواحد لما يبدأ يقرأ و يتعلم هذه
    المسائل.. أنا لماذا أحدث بها إخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي؟ حتى لما نقرأ
    القرآن نستمتع نتلذذ ونتأثر، وأتمنى أن هذا التأثر يتحول إلى تطبيق لما في
    كتاب الله عز وجل فالكتاب- القرآن العظيم- هذا الكتاب ليس كتاب تسلية
    ومتعة وإنما كتاب منهج للبشرية لكن أيضا فيه سمو بالروح وهذا البيان المعجز
    فيه متعة غير عادية تسمو بالأرواح فجمع بين المعنى والقالب الذي وضع فيه
    هذا المعنى، من أنواع البلاغة العجيبة معنى الإيجاز، الإيجاز هو تقليل
    الكلام مع ترك الإخلال باللفظ والمعنى، يعني كلام قليل لكن شامل لأمور
    كثيرة، وينقسم الإيجاز إلى حذف وقصر، حذف يعني يلغى بعض الكلام ومع ذلك
    مفهوم ويعطي المعنى كاملا مع أنه في شيء محذوف، والإسقاط هو تخفيف، نأخذ
    مثالا على الإيجاز: { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } في قصة سيدنا يوسف لما رجعوا بدون أخيهم فقالوا لأبيهم إن إحنا أخونا سرق وكذا فما صدقهم فقالوا: { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } هيسأل القرية؟ يسأل أهل القرية، لكن واضح فمن باب الإيجاز قال {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } في موقع آخر قال: { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ
    ۚ } فحذف الجواب في هذه المسألة لأنه هو كلامكم سيحتوي على الطاعة والقول
    المعروف، فهذا أمر واضح، ونجد هذا في إيجاز عجيب في كتاب الله عز وجل في
    وصف القرآن.. عندما نجد الله سبحانه وتعالى يتحدث عن كتابه العظيم فيقول: {
    وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ
    ..} بس انتهت.. كيف؟ يعني لو أنه يوجد قرآن يفعل هذا: تسير به الجبال،
    تقطع به الأرض، يكلم به الموتى.. في كلام محذوف، في كلام ناقص، لكن عند أهل
    البلاغة هذا منتهى البلاغة.. ماذا يقول هنا؟ يقول أهل البلاغة: كأنه قيل:
    لو كان هناك قرآنا يفعل هذا لكان هذا القرآن فالحذف هنا أبلغ من الذكر لأن
    النفس تبدأ تفكر: لو في قرآن ماذا سيحدث؟ فتذهب النفس كل مذهب بسبب القصد
    من الجواب فالإيجاز.. الإيجاز جعلنا نصل في خيالنا إلى ما لا نهاية، ومن
    الإعجاز العجيب في القرآن { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}
    نتوقف عند هذه الآية، يقولون.. زرادشت أو غيره، واحد من حكام الفرس، أظن
    أرداشير يقال أنه ينسب إليه أنه قال: "القتل أنفى للقتل" ماذا يقصد؟ يعني
    إذا قتلنا إنسانا سيمنع الآخرين من أن يفعلوا الجرائم فالقتل أنفى للقتل
    حتى لا تحدث جريمة القتل مرة أخرى.. نقتل القاتل فعندها سيمتنع الناس عن
    القتل، فالقتل الأول ينفي حدوث القتل مرة أخرى، هذا معنى حكيم، معنى جميل،
    والأجمل منه والأفصح والأبلغ والذي يحتوي على معان لا حصر لها ولا نهاية
    قول الله عز وجل:
    {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} انظروا وتأملوا، أولا:
    القتل.. القتل أنفى للقتل، قد يحدث القتل ظلما ويحدث القتل لبريء لكن
    القصاص هو معاقبة صاحب الجريمة بمثل ما فعل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ
    حَيَاةٌ} ليس فقط نفي للقتل وإنما إحياء للبشرية وإبقاء لها وفيها من
    المعاني ما لا حصر لها، فالقتل أنفى للقتل.. معنى بليغ وكلام بليغ والأبلغ
    منه مع إيجاز ومع معان لم أذكرها حتى الآن كثيرة جدا {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، تريد إيجازا آخر؟ انظروا إلى قول الله تعالى عن المنافقين: { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ} عجيب.. عجيب {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ
    } كلما سمعوا صيحة واحد نادى واحد.. خافوا يظنون أنهم اكتشف أمرهم واللا
    فضحوا واللا سيأخذوهم ويقتلوهم، أي خوف يعيش به هؤلاء المنافقون؟ أي حياة
    قلقة يعيشون فيها؟ تخيلوا! بدل ما يصف كل هذا قال كلمتين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} يصف حالة نفسية وحالة جسدية وشعورية.. كل هذا في كلمات محدودة {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } حصر العداوة فيهم فركز عليهم وحذر منهم، وانتبهوا يا مؤمنين كله في هذا وانظروا إلى قوله تعالى: { ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ } قارنوا هذا بالمثل العربي الشهير: "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" كلام جميل حلو لكن قارنوا هذا { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
    } شيء عجيب من الإيجاز، كيف أن المكر السيئ معناه فيه تدبير خبيث، قد يفعل
    الإنسان مكرا أو كيدا حسنا، يكيد بالكفار، يكيد بالأعداء، لكن هنا الحديث
    عن المكر السيئ، وفي النهاية الله سبحانه وتعالى يحصره في نفسه.. في
    النهاية سيرتد عليه.. إن لم يرتد عليه في الدنيا سيرتد عليه في الآخرة..
    فهذا كله نسميه إيجازا، وهناك أشكال من الإيجاز وإعجاز الكلم أحدثكم عن
    مزيد منها بعد الفاصل إن شاء الله.

    الإعجاز
    في الإيجاز.. هذا الذي تحدثنا عنه له صورة أخرى العرب يسمونها جوامع الكلم،
    من أراد أن يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الإعجاز من خلال الاختصار
    ويحيط ببلاغة الإشارة.. الإيماء كفاية أحيانا.. الإيجاز في إثبات معان
    جميلة وكبيرة فلينظر إلى كتاب الله عز وجل وليتأمل علو القرآن على سائر
    الكلام.. انظروا معي وتأملوا في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ..} إلى آخره، ( اسْتَقَامُوا)
    كلمة واحدة، استقاموا على ماذا؟ فيها كل الطاعات بأشكالها: الائتمار
    والإنجار، طاعة الله عز وجل فيما أمر والانتهاء عما زجر كلها موجودة، يعني
    لو سرق الإنسان حبة واحدة لخرج بسرقتها عن حد الاستقامة، فانظروا: كلمة
    استقامة شملت كل الطاعات بكلمة واحدة، استقامة ما فيها انحراف، ما في أي
    انحراف، لو فعل شيئا واحدا خطأ معناها بقصد وبنية فاسدة معناها لم يستقم.
    خلونا نأخذ مثالا آخر على جوامع الكلم { لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } كم مرة جاءت في القرآن في وصف أهل الجنة {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
    فيها ذكر إقبال كل محبوب عليهم وزوال كل مكروه عنهم، تأملوا معي.. الحزن
    والخوف.. ليس هناك شيء أضر على الإنسان من الحزن والخوف، الحزن على ماذا؟
    على مكروه ماض أو حاضر، شيء مضى أو شيء حاضر يحزن عليه الإنسان، طيب
    الخوف.. الخوف يتولد من مكروه مستقبلي.. شيء قد يحدث.. أنا أخاف.. أخشى
    الشيء الذي قد يحدث، أما إذا حدث وانتهى فأقوم أحزن عليه، أهل الجنة لا خوف
    عليهم ولا هم يحزنون، فكل ما مضى من مآس في الدنيا ومن شقاء ومن هموم ومن
    فقر ومن أمراض خلاص ينسوها.. ما في حزن ولا يخافون من أي تغيير في
    المستقبل.. فحياتهم نعيم وجنتهم دائمة ورضا الله عليهم قد حل.. ينزل عليهم
    فلا يزول، يا سلام! قارنوا هذا بإنسان اجتمع عليه حزن وخوف.. لا ينتفع
    بحياته بل يتبرم بحياته.. الحزن والخوف أقوى أسباب الأمراض النفسية كما أن
    السرور والأمن هما أقوى أسباب صحة النفس، فالحزن والخوف موضوعان مقابل كل
    محنة وكل بلية والسرور والأمن موضوعان أمام كل صحة وكل نعمة وكل هناء،
    ولذلك الله سبحانه وتعالى في آية أخرى لخصها هذه الجنة والنعيم.. لا.. لا..
    لخصها بكلمة واحدة، كلمة واحدة، يقول الله عز وجل: { أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}
    الله! كلمة واحدة (الأمن) تنبئ عن السرور.. خلوص السرور من كل الشوائب..
    ما في مشاكل.. صافي.. الأمن.. السلامة من الخوف.. هكذا، فإذا سلم من الخوف
    وسلم من الحزن هذا المكروه الأعظم فقد نال الأمن وإذا نال الأمن ارتفع
    الخوف وارتفع عنه المكروه وحصل السرور المحبوب فأي إيجاز هذا!
    خلينا ننتقل ليس فقط لأوساط الجنة ولا الأشياء النفسية.. حتى الأشياء التشريعية، لما يقول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ } كلمتان: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
    } كلمتان جمع الله فيهما كل ما عقده على خلقه من أوامر لنفسه.. أنتم
    تعاقدتم مع الله تطيعوه في كذا.. إذن أوفوا بالعقود، وكل ما تعاقد عليه
    الناس فيما بينهم فأوفوا بالعقود، الزواج عقد، البيع عقد، فهذه عقود، في
    بعض الناس يعني يأخذ البنت على سنة الله ورسوله وبعقد وبعدين لا يفي بهذا
    العقد، لا يعاملها على سنة الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، من
    الإيجاز.. أنا قاعد أوصف لكم واحدة وراء الثانية حتى لما تقرؤوا القرآن
    تتلذذوا.. عندما تصل إلى آية من هذه الآيات أو مثلها تتلذذ.. أي إيجاز!
    تبدأ تفكر في المعاني، خلينا نأخذ آية أخرى فيها إيجاز في وصف الجنة، جملة
    بسيطة تلخص لك كل نعيم الجنة، يقول الله عز وجل: { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    } خلاص.. كل شيء تشتهيه نفسك وكل شيء.. النظر يسر به.. سيكون لك في الجنة،
    من القصص الطريفة: أذكر وأنا كانت ابنتي صغيرة فقاعد أقول لها الآية هذه
    أن يوم القيامة في الجنة ترين أنت لما تدخلين الجنة.. كل شيء تتمنينه سيكون
    عندك، قالت لي.. هي صغيرة كانت في ذلك الحين.. قالت: يا بابا يعني راح
    ألقى تشيبس بطاطس كده؟ قلت لها: كل ما تشتهيه الأنفس، في الحديث أن النبي
    صلى الله عليه وسلم يروي عن أحد الناس أنه يتمنى الزرع.. يتمنى أن يزرع..
    يحب الزراعة فيقول الله عز وجل: أما قد كفيتك كل شيء؟ قال: يا رب أحب
    الزراعة فيأتي الله سبحانه وتعالى.. يعني الله سبحانه وتعالى يأمر فيعطى
    الحق بأن يزرع فيقوم يبذر فينبت الزرع بسرعة وينبسط وهكذا وتلذ نفسه
    بالزراعة فقال أحد الأعراب من الصحابة.. قال: يا رسول الله تجد هذا من أهل
    يثرب لأنهم أهل زرع أما نحن ما عندنا زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم،
    لاحظوا بس الكلمة المختصرة، لم يبقى مقترح لأحد إلا وتضمنته هاتين
    الكلمتين.. مع شرف هاتين الكلمتين.. {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } فأي معان في الإيجاز تجدها مع شرف اللفظ وحسن الرونق؟ هذا بعض من إعجاز القرآن وسحر القرآن.
    وفي اللقاء القادم بإذن الله تعالى ندخل في المزيد من الأمثلة في جمال هذا
    السحر القرآني "وإن من البياني لسحرا" وأعظم البيان سحر القرآن.
    أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله طارق السويدان من موقع مصطفى حسني
    اسالكم الدعاء اخوكم الداودي موقع الحكمة

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 20 مايو 2024 - 2:55