في
الشجاعة و النجدة
و
أما الشجاعة و النجدة فالشجاعة فضيلة قوة الغضب و انقيادها للعقل ، و النجدة : ثقة
النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف .
و كان صلى الله عليه و سلم منهما بالمكان الذي لا يجهل ، قد حضر المواقف الصعبة ،
و فر الكماة و الأبطال عنه غير مرة ، و هو ثابت لا يبرح ، و مقبل لا يدبر و لا
يتزحزح و ما شجاع إلا و قد أحصيت له فرة ، و حفظت عنه جولة ، سواه .
حدثنا أبو علي الجياني فيما كتب لي ، قال : حدثنا القاضي سراج ، حدثنا أبو محمد
الأصيلي ، قال : حدثنا أبو زيد الفقيه ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن
اسماعيل ، حدثنا ابن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبي اسحاق : سمع البراء
و سأله رجل : أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : لكن رسول
الله صلى الله عليه و سلم لم يفر .
ثم قال : لقد رأيته على بغلته البيضاء و أبو سفيان آخذ بلجامها ، و النبي صلى الله
عليه و سلم يقول : أنا النبي لا كذب ، و زاده غيره : أنا ابن عبد المطلب .
قيل : فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه .
و قال غيره : نزل النبي صلى الله عليه و سلم عن بغلته .
و ذكر مسلم ـ عن العباس ، قال : فلما التقى المسلمون و الكفار ولى المسلمون مدبرين
، فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم يركض بغلته نحو الكفار ، و أنا آخذ بلجامها
أكفها إرادة ألا تسرع ، و أبو سفيان آخذ بركابه ، ثم نادى : يا للمسلمين ...
الحديث .
و قيل : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غضب ـ و لا يغضب الله لم يقم
لغضبه شيء . و قال : ابن عمر : ما رأيت أشجع ، ولا أنجد ، ولا أجود ، و لا أرضى ،
و لا أفضل من رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و قال علي رضي الله عنه : إنا كنا إذا حمي اليأس ـ و يروى : اشتد البأس ـ و احمرت
الحدق اتقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه و لقد رأيتني يوم بدر
و نحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه و سلم ، و هو أقربنا إلى العدو و كان من أشد
الناس يومئذ بأساً .
و قيل : كان الشجاع هو الذي يقترب منه صلى الله عليه و سلم إذا دنا العدو ، لقربه
منه . عن أنس : كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس ، و أجود الناس ، و أشجع
الناس ، لقد فزع أهل المدينة ليلة ، فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله صلى
الله عليه و سلم راجعاً ، قد سبقهم إلى الصوت ، و استبرق الخبر على فرس لأبي طلحة
عرى ، و السيف [ 37 ] في عنقه ، و هو يقول : لن تراعوا .
و قال عمران بن حصين : ما لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم كتيبة إلا كان أول من
يضرب .
و لما رآه أبي بن خلف يوم أحد و هو يقول : أين محمد ، لا نجوت إن نجا .
و قد كان يقول للنبي صلى الله عليه و سلم ـ حين افتدى يوم بدر : عندي فرس أعلفها
كل يوم فرفاً من ذرة أقتلك عليها .
فقال : له النبي صلى الله عليه و سلم أنا أقتلك إن شاء الله .
فلما رآه يوم أحد شد أبي على فرسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاعترضه
رجال من المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هكذا ، أي خلوا طريقه و
تناول الحربة من الحارس بن الصمة ، فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء
عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله النبي صلى الله عليه و سلم ، فطعنه في عنقه
طعنة تدأدأ منها عن فرسه مراراً .
و قيل : بل كسر ضلعاً من أضلاعه ، فرجع إلى قريش يقول : قتلني محمد ، و هم يقولون
لا بأس بك . فقال : لو كان ما بي بجميع الناس لقتلهم ، أليس قد قال : أنا أقتلك ،
و الله لو بصق علي لقتلني . فمات بسرف في قف ولهم إلى مكة .