في
حسن عشرته و أدبه و بسط خلقه
و
أما حسن عشرته و أدبه و بسط خلقه صلى الله عليه و سلم مع أصناف الخلق فبحيث انتشرت
به الأخبار الصحيحة .
قال علي رضي الله عنه [38] في و صفه عليه الصلاة و السلام : : كان أوسع الناس
صدراً ، و أصدق الناس لهجة ، و ألينهم عريكة ، و أكرمهم عشرة .
حدثنا أبو الحسن علي بن مشرق الأنماطي فيما أجازنيه ، و قرأتة على غيره ، قال :
حدثنا أبو إسحاق الحبال ، حدثنا أبو محمد بن النحاس ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا
أبو داود ، حدثنا هشام أبو مروان ، و محمد بن المثني : قالا : حدثنا الوليد بن
مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : حدثني محمد بن عبد الرحمن
بن أسعد بن زرارة ، عن قيس بن سعد ، قال زارنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و
ذكر قصة في آخرها : فلما أراد الإنصراف قرب له سعد حماراً ، و طأ عليه بقطيفة ،
فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قال سعد : يا قيس ، اصحب رسول الله صلى
الله عليه و سلم .
قال قيس : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اركب ، فأبيت . فقال : إما أن تركب
و إما أن تنصرف . فانصرفت .
[ و في رواية أخرى : اركب أمامي ، ف صاحب الدابة أولى بمقدمها ] .
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤلفهم ، و لا ينفرهم ، و يكرم كريم كل قوم و
يوليه عليهم ، و يحذر الناس ، و يحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره و لا
خلقه ، يتفقدأصحابه ، و يعطي كل جلسائه نصيبه ، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه
منه . من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، و من سأله حاجة لم
يرده إلا بها ، أو بميسور من القول ، قد وسع الناس بسطه و خلقه ، فصار لهم أباً ،
و صاروا عنده في الحق سواء .
بهذا وصفه ابن أبي هالة ، قال : و كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس
بفظ و لا غليظ ، و لا سخاب ، و لا فحاش و لا عياب ، و لا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي
و لا يؤنس منه .
و قال الله تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من
حولك [ سورة آل عمران / 3 ، الآية : 159 ] .
و قال تعالى : ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون .
و كان يجيب من دعاه ، و يقبل الهدية و لو كانت كراعاً و يكافيء عليها .
قال أنس : خدمت رسول الله عشر سنين ، فما قال لي أف قط ، و ما قال لشيء صنعته : لم
صنعته ؟ و لا ل شيء تركته : لم تركته ؟ .
و عن عائشة رضي الله عنها : ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه و
سلم ، ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال : لبيك .
و قال جرير بن عبد الله : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ أسلمت ، و
لا رآني إلا تبسم .
و كان يمازح أصحابه ، و يخالطهم و يحادثهم ، و يداعب صبيانهم ، و يجلسهم في حجره ،
و يجيب دعوة الحر و العبد ، و الأمة و المسكين ، و يعود المرضى في أقضى المدينة ،
و يقبل عذر المعتذر .
قال أنس : ما التقم أحد أذن رسول الله صلى الله عليه و سلم فينحي رأسه حتى يكون
الرجل هو الذي ينحي رأسه ، و ما أخذ أحد بيده فيرسل يد حتى يرسلها الآخر ، و لم ير
مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له .
و كان يبدأ من لقيه بالسلام ، و يبدأ أصحابه ، بالمصافحة ، و لم ير قط ماداً رجليه
بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد . يكرم من يدخل عليه ، و ربما بسط له ثوبه ، و
يؤثره بالوسادة التي تحته ، و يعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى ، و يكني أصحابه ،
و يدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم ، و لا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بنهي
أو قيام ـ و يروي : بانتهاء أو قيام .
و يروى أنه كان [ 39 ] لا يجلس إليه أحد و هو يصلي إلا خفف صلاته ، و سأله عن
حاجته ، فإذا فرغ عاد إلى صلاته .
و كان أكثر الناس تبسماً ، و أطيبهم نفساً ، ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب
.
قال عبد الله بن الحارث : ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه و
سلم . و عن أنس : خدم المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى الغداة
بآنيتهم فيها الماء ، فما يؤتى بآنية إلا غمس يده فيها ، و ربما كان ذلك في الغداة
الباردة ـ يريدون به التبرك .