عدله
، و أمانته ، و عفته ، وصدق لهجته
و
أما عدله صلى الله عليه و سلم و أمانته و عفته و صدق لهجته ـ فكان صلى الله عليه و
سلم آمن الناس ، و أعدل الناس ، و أعف الناس ، و أصدقهم لهجة منذ كان ، اعترف له
بذلك محادوه و عداه .
و كان يسمى قبل نبوته الأمين .
قال ابن اسحاق : كان يسمى الأمين بما جمع الله فيه من الأخلاق الصالحة .
و قال تعالى : مطاع ثم أمين : أكثر المفسرين على أنه محمد صلى الله عليه و سلم .
و لما اختلف قريش و تحازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر حكموا أول داخل عليهم ،
فإذا النبي صلى الله عليه و سلم داخل ـ و ذلك قبل نبوته ، فقالوا : هذا محمد
الأمين قد رضينا به .
و عن الربيع بن خثيم : كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في الجاهلية
قبل الإسلام .
و قال صلى الله عليه و سلم : و الله إني لأمين في السماء أمين في الأرض .
حدثنا أبو علي الصدفي الحافظ بقرائتي عليه ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، حدثنا أبو
يعلى ابن زوج الحرة ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب المروزي ، حدثنا
أبو عيسى الحافظ ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن أبي
اسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن علي ـ أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه و سلم :
إنا لا نكذبك ، و لكن نكذب بما جئت به ، فأنزل الله تعالى : فإنهم لا يكذبونك ولكن
الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام / 7 ، الآية : 33 ] .
و روى غيره : لا نكذبك و لا أنت فينا بمكذب .
و قيل : إن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر ، فقال له : يا أبا الحكم ليس هنا
غيري و غيرك يسمع كلامنا ، تخبرني عن محمد ، صادق هو أو كاذب ؟ فقال أبو جهل : و
الله إن محمداً لصادق و ما كذب محمد قط .
و سأل هرقل عن أبا سفيان ، فقال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال : لا .
و قال النضر بن الحارس لقريش : قد كان محمد فيكم غلاماً حدثا ،أرضاكم فيكم ، و
أصدقكم حديثأً ، و أعظمكم أمانة حتى [ 43 ] إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، و جاءكم
بما جاءكم به قلتم : ساحر . لا ، و الله ، ما هو بساحر .
و في الحديث عنه : ما لمست يده امرأة قط لا يملك رقها .
و في حديث علي ـ في وصفه صلى الله عليه و سلم : أصدق الناس لهجة .
و قال في الصحيح :و يحكى ! فمن يعدل إن لم أعدل ، خبت و خسرت إن لم أعدل .
قالت عائشة : ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما
لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه .
قال أبو العباس المبرد : قسم كسرى أيامه ، فقال : يصلح يوم الريح للنوم ، و يوم
الغيمه للصيد ، و يوم المطر للشرب و اللهو ، و يوم الشمس للحوائج .
قال ابن خالوية : ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم ، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا و
هم عن الآخرة غافلون ، و لكن نبينا صلى الله عليه و سلم جزء نهاره ثلاث أجزاء ،
جزءاً لله ، و
جزءاً لأهله ، و جزءاً لنفسه ثم جزء جزأه بينه و بين الناس ، فكان يستعين بالخاصة
على العامة ، و يقول : أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي ، فإنه من أبلغ حاجة من لا
يستطيع إبلاغها آمنه الله يوم الفزع الأكبر .
و عن الحسن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يأخذ أحداً بقرف أحد ، و لا يصدق
أحداً على أحد .
و ذكر أبو جعفر الطبري عن علي عنه صلى الله عليه و سلم : ما هممت بشيء مما كان أهل
الجاهلية يعملون به غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني و بين ما أريد من ذلك ، ثم
ما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته ، قلت ليلة لغلام كان يرعى معي : لو أبصرت
لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب .
فخرجت كذلك حتى جئت أول دار من مكة سمعت عزفاً بالدفوف و المزامير لعرس بعضهم .
فجلست أنظر ، فضرب على أذني فنمت ، فما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت و لم أقض
شيئاً . ثم عراني مرة أخرى مثل ذلك ، ثم لم أهم بعد ذلك بسوء .