تفضيل
الله بعض الأنبياء على بعض
اعلم
وفقنا الله و إياك أن صفات جميع الأنبياء صلوات الله عليهم ، من كمال الخلق ، و
حسن الصورة ، و شرف النسب ، و حسن الخلق ، و جميع المحاسن ، هي هذه الصفة ، لأنها
صفات الكمال ، و الكمال و التمام البشري و الفضل الجميع لهم صلوات الله عليهم ، إذ
رتبتهم أشرف الرتب ، و درجاتهم أرفع الدرجات ، و لكن فضل الله بعضهم على بعض ، قال
الله تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض . و قال : ولقد اخترناهم على علم على
العالمين [ سورة الدخان / 44 ، الآية : 32 ] .
و قد قال عليه السلام : إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر .
ثم قال آخر الحديث : على خلق رجل واحد ، على صورة ، أبيهم آدم ، طوله ستون ذراعاً
في السماء .
و في حديث أبي هريرة : رأيت موسى فإذا هو رجل ضرب ، رجل ، أقنى كأنه من رجال شنوءة
و رأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة ، كثير خيلان الوجه ، أحمر كأنما خرج من ديماس .
و في حديث آخر : مبطن مثل السيف ، قال : و أنا أشبه ولد إبراهيم به .
و قال في حديث آخر في صفة موسى : كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال .
و في حديث أبي هريرة ، عنه صلى الله عليه و سلم : ما بعث الله تعالى من بعد لوط
نبياً إلا في ذروة من قومه .
و يروى [ 47 ] : في ثروة ، أي كثرة و منعة .
و حكى الترمذي ، عن قتادة ، و رواه الدار قطني من حديث قتادة عن أنس : ما بعث الله
نبياً حسن الوجه ، حسن الصوت ، و كان نبيكم أحسنهم وجهاً ، و أحسنهم صوتاً .
و في حديث هرقل : و سألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، و كذلك الرسل تبعث في
أنساب قومها .
و قال تعالى في أيوب : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب .
و قال تعالى : يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا * وحنانا من لدنا وزكاة
وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم
يبعث حيا [
سورة مريم / 19 ، الآيات : 12 ، 15 ] .
و
قال : أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين [
سورة آل عمران / 3 ، الآية : 39 ] .
و قال : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها
من بعض والله سميع عليم [ سورة آل عمران / 3 ، الآيات : 33 ، 34 ] .
و قال ـ في نوح : إنه كان عبدا شكورا [ سورة الإسراء / 17 ، الآية : 3 ] .
و قال : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا
والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين .
و قال : إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت
وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [ سورة مريم / 19 ، الآية : 30 ] .
و قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما
قالوا وكان عند الله وجيها [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 69 ] .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : كان موسى رجلاً حيياً ستيراً ما يرى من جسده شيء
استحياء . الحديث .
و قال تعالى ـ عنه : فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين .
و قال في وصف جماعة منهم : إني لكم رسول أمين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 107 ]
.
و قال : إن خير من استأجرت القوي الأمين [ سورة القصص / 28 ، الآية : 26 ] .
و قال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [ سورة الأحقاف / 46 ، الآية : 35 ] .
و قال : ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود
وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي ال محسنين * وزكريا ويحيى وعيسى
وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين *
ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * ذلك هدى الله
يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين
آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها
بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ سورة الأنعام / 6 ،
الآيات : 84 ، 90 ] .
فوصفهم بأوصاف جمة من الصلاح و الهدى و الاجتباء و الحكم و النبوة .
و قال : فبشرناه بغلام حليم و عليم .
و قال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلي عباد الله إني
لكم رسول أمين [
سورة الدخان / 44 ، الآية : 17 ، 18 ] .
و
قال : ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ سورة الصافات / 37 ، الآية : 102 ] .
و قال ـ في إسماعيل ـ : إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا * وكان يأمر أهله
بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا [ سورة مريم / 19 ، الآية : 54 ، 55 ] .
و في موسى : إنه كان مخلصا [ سورة مريم / 19 ، الآية : 51 ] .
و في سليمان : نعم العبد إنه أواب [سورة ص/ 38 ، الآية : 30 ، 44 ] .
و قال : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم
بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار .
و في داود : إنه أواب [ سورة / 38 الآية : 17 ] .
ثم قال : وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب .
و قال ـ عن يوسف : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
و في موسى : ستجدني إن شاء الله صابر [ سورة الكهف / 18 ، الآية : 69] .
[ و قال تعالى ـ عن شعيب ـ : ستجدني إن شاء الله من الصالحين ]
و قال : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت [
سورة هود / ، 11، الآية : 88 ] .
و
قال : ولوطا آتيناه حكما وعلما [ سورة الأنبياء /21 ، الآية : 74 ] .
و قال : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين [
سورة الأنبياء /21 ، الآية :90 ] .
قال
سفيان : هو الحزن الدائم .
في آي كثيرة ، ذكر فيها من خصالهم و محاسن أخلاقهم الدالة على كمالهم .
و جاء من ذلك في الأحاديث كثير ، كقوله : [ إنما الكريم ابن ا لكريم ابن الكريم
ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ،نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي ] .
و في حديث أنس : [ و كذلك الأنبياء تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم ] .
و روى أن سليمان كان مع ما أعطي من الملك لايرفع بصره إلى السماء تخشعاً و تواضعاً
الله تعالى .
و كان يطعم الناس لذائد الأطعمة و يأكل خبز الشعير .
و أوحى الله إليه : يا رأس العابدين ، و ابن محجة الزاهدين .
و كانت العجوز تعترضه ـ و هو على الريح في جنوده ، فيأمر الريح فتقف فينظر في
حاجتها و يمضي .
و قيل ليوسف :مالك تجوع و أنت على خزائن الأرض ؟ أخاف أن أشبع فأنسى الجائع [48] .
و روى أبو هريرة عنه صلى الله عليه و سلم : خفف على داود القرآن ، فكان يأمر
بدوابه ، فتسرج ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ، و لا يأكل إلا من عمل يده .
قال الله تعالى : وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد .
و كان سأل ربه أن يرزقه عملاً بيده يغنيه عن بيت المال .
و قال عليه السلام : أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام
داود : كان ينام نصف الليل ، و يقوم ثلثه ، و ينام سدسه ، و يصوم يوماً و يفطر
يوماً و كان ي لبس الصوف ، و يفترش الشعر ، و يأكل خبز الشعير بالملح والرماد ، و
يمزج شرابه بالدموع ، و لم ير ضاحكاً بعد الخطيئة ، ولا شاخصاً ببصره إلى السماء ،
حياء من ربه ، و لم يزل باكياً حياته كلها .
و قيل : بكى حتى نبت العشب نت دموعه ، و حتى اتخذت الدموع في خذه أخدوداً .
و قيل : كان يخرج متنكراً يتعرف سيرته ، فيستمع الثناء عليه ، فيزداد تواضعاً .
و قيل لعيسى عليه السلام : لو اتخذت حماراً . قال : أنا أكرم على الله من أن
يشغلني بحمار .
و كان يلبس الشعر ، و يأكل الشجر ، و لم يكن له بيت أينما أدركه النوم نام .
و كان أحب الأسامي إليه أن يقال له مسكين .
و قيل : إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين كانت ترى خضرة البقل في بطنه من
الهزال .
و قال عليه السلام : لقد كان الأنبياء قبلي يبتلي أحدهم بالفقر و القمل ، و كان
ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم .
و قال عيسى عليه السلام ـ لخنزير لقيه : اذهب بسلام . فقيل له في ذلك ، فقال :
أكره أن أعود لساني المنطق بسوء .
و قال مجاهد : كان طعام يحيى العشب .
و كان يبكي من شية الله حتى اتخذ الدمع مجرى في خده ، و كان يأكل من الوحش لئلا
يخالط الناس .
و حكى الطبري ، عن وهب ، أن موسىكان يستظل بعريش ، و يأكل في نقرة من حجر ، و يكرع
فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدابه ، تواضعاً لله بما أكرمه الله به من كلامه
.
و أخبارهم في هذا كله مسطورة ، و صفاتهم في الكمال و جميل الأخلاق ، و حسن الصور
و الشمائل معروفة مشهورة ، فلا نطول بها ، ولا تلتفت إلى ما تجده في كتب بعض جهلة
المؤرخين و المفسرين مما يخالف هذا .