فيما
ورد من صحيح الأخبار و مشهورها ـ بعظيم قدره عند ربه و منزلته ، و ما خصه به في
الدارين من كرامته صلى الله عليه و سلم
لا
خلاف أنه أكرم البشر ، و سيد ولد آدم ، و أفضل الناس منزلة عند الله و أعلاهم درجة
، و اقربهم زلفى .
و اعلم أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً ، و قد اقتصرنا منها على صحيحها و
منتشرها و حصرنا معاني ما ورد منها في اثني عشر فصلاً :
فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه ، و الاصطفاء ، و رفعه الذكر ، و التفضيل و سيادة ولد
آدم ، و ما خصه به في الدنيا من مزايا الرتب وبركة اسمه الطيب
131
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد العدل إذناً بلقظه ، قال : حدثنا أبو
الحسن الفرغاني ، حدستنا أم القاسم بنت أبي بكر بن يعقوب ، عن أبيها ، قال : حدثنا
حاتم ـ هو ابن عقيل ، عن يحيى ـ هو ابن إسماعيل ، عن يحيى الحماني ، قال : حدثنا
قيس ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : إن الله قسم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسماً ، فذلك قوله :
أصحاب اليمين ، و أصحاب الشمال ، فأنا من أصحاب اليمين ، و أ نا خير أصحاب اليمين
.
ثم جعل القسمين أثلاثاً ، فجعلني في خيرها ثلثاً ، و ذلك قوله تعالى : فأصحاب
الميمنة . و أصحاب المشأمة ، و السابقون السابقون ، فأن من السابقون ، و أنا خير
السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، و ذلك قوله : وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر .
ثم جعل القبائل بيوتاً ، فجعلني من خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى : إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 33
] .
و عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قالو : يا رسول الله ، متى و جبت لك النبوة
؟
قال : و آدم بين الروح و الجسد .
و عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اصطفى من
ولد إبراهيم و إسماعيل . واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، و اصطفى من بني كنانة
قريشاً ، و اصطفى من قريش بني هاشم ، و اصطفاني من بني هاشم .
و من حديث أنس : أنا أكرم ولد آدم على ربي و لا فخر .
و في حديث ابن عباس : أنا أكرم الأولين و ال أخرين و لا فخر .
و عن عائشة ، عنه عليه السلام : أتاني جبريل ، فقال :قلبت مشارق الأرض و مغاربها
فلم أر رجلاً أفضل من محمد ، و لم أر بني أب أفضل من بني هاشم .
و عن أنس : أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى بالبراق ليلة أسري به ، فاستصعب عليه
، فقال له جبريل : بمحمد تفعل [54 ] هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فارفض
عرقاً
و عن ابن عباس ، عنه عليه السلام : لما خلق الله آدم أهبطني في صلبه إلى الأرض ، و
جعلني في صلب نوح في السفينة ، و قذف بي في النار في صلب إبراهيم ، ثم لم يزل
ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا
علىسفاح قط .
و إلى هذا أشار العباس بن المطلب رضي الله عنه بقوله :
من قبلها طبت في الظلال و في مستودع حيث يخصف
الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت و لا مضغة و لا
علق
بل نطفة تركب السفين و قد ألجم نسراً و أهله
الغرق
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
في يعض النسخ أبيات أخر ، و هي قوله :
حتى احتوى بيتك المهين من خندف علياء تحتها
النطق
و أنت لما و لدت أشرقت ال أرض و ضاءت بنورك
الأفق
فنحن في ذلك الضياء و في الن ور و سبل الرشاد
نخترق
يا برد نار الخليل يا سبباً لعصمة النار و هي
تحترق
[ النطق : أوسط الجبال العالية ] .
و روى عنه صلى الله عليه و سلم ، أبو ذر ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو هريرة ،
و جابر ابن عبد الله ـ أنه قال : أعطيت خمساً ـ و في بعضها ـ ستاً لم يعطهن نبي
قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، و جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً ، و أيما رجل من
أمتي أدركته الصلاة فليصل ، و أحلت لي الغنائم ، و لم تحل لنبي قبلي ، و بعث إلى
الناس كافة ، و أعطيت الشفاعة .
و في رواية ـ بدل هذه الكلمة : و قيل لي : سل تعطه .
و في رواية أخرى : و عرض علي أمتي فلم يخف علي التابع من المتبوع .
و في رواية : بعثت إلى الأحمر و الأسود .
و قيل : السود : العرب ، لأن الغالب على ألوانهم الأدمة ، فهم من السود . و الحمر
: العجم .
و قيل : البيض و السود من الأمم .
و قيل : الحمر : الأنس . و السود : الجن .
و في الحديث الآخر ـ عن أبي هريرة : نصرت بالرعب ، و أتيت جوامع الكلم ، و بينا
أنا نائ م إذا جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي .
و في رواية ـ عنه : و ختم بي النبيون .
و عن عقبة بن عامر أنه قال : قال عليه السلام : إني فرط لكم ، و أنا شهيد عليكم .
و إني و الله لأنظر إلى حوضي الآن ، و إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض . و إني ـ
و الله ـ ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، و لكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها .
و عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أنا محمد النبي
الأمي ، لا نبي بعدي ، أوتيت جوامع الكلم و خواتمه ، و علمت خزنة النار و حملة
العرش .
و عن ابن عمر : بعثت بين يدي الساعة .
و من رواية ابن وهب ـ أنه عليه السلام قال : قال الله تعالى : سل يا محمد . فقلت :
ما أسأل يا رب ؟ اتخذت إبراهيم خليلاً ، و كلمت موسى تكليماً ، و اصطفيت نوحاً ، و
أعطيت سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فقال الله تعالى : ما أعطيتك خير من
ذلك ، أعطيتك الكوثر ، و جعلت اسمك مع اسمي ، ينادى به في جوف السماء ، و جعلت
الأرض طهوراً لك ، ولأمتك ، و غفرت لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ، فأنت تمشي في
الناس مغفوراً لك شفاعتك ، و لم أصنع ذلك لأحد قبلك ، و جعلت قلوب أمتك مصاحفها ،
و خبأت لك شفاعتك ، و لم أخبأها لنبي غيرك .
و في حديث آخر : رواه حذيفة : بشرني ـ يعني ربه : أول من يدخل الجنة و معي من أمتي
[ 55 ] سبعون ألفاً ، مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ، و أعطاني ألا تجوع
أمتي و لا تغلب ، و أعطاني النصر و العزة و الرعب يسعى بين يدي أمتي شهراً ، و طيب
لي و لأمتي المغانم ، و أحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا ، و لم يجعل علينا في
الدين من حرج .
و عن أبي هريرة ، عنه عليه السلام : ما من نبي من الأنبياء إلا و قد أعطي من
الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، و إنما كان الذي أوتيت و حياً أوحى الله إلي ،
فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة .
معنى هذا عند المحققين بقاء معجزته ما بقيت الدنيا ، و سائر معجزات الأنبياء ذهبت
للحين ، و لم يشاهدها إلا الحاضر لها ، و معجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن
عياناً لا خبراً إلى القيامة .
و فيه كلام يطول هذا نخبته . و قد بسطنا القول فيه ، و فيما ذكر فيه سوى هذا آخر
باب المعجزات .
و عن علي رضي الله عنه : كل نبي أعطي سبعة نجباء ، و أعطي نبيكم صلى الله عليه و
سلم أربعة عشر نجيباً ، م نهم أبو بكر ، و عمر ، و ابن مسعود ، و عمار .
و قال صلى الله عليه و سلم : إن الله قد حبس عن مكة الفيل ، و سلط عليها رسوله و
المؤمنين ، و إنها لا تحل لأحد بعدي ، و إنما أحلت لي ساعة من نهار .
و عن العرباض بن سارية : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إني عبد الله
و خاتم النبيين ، و إن آدم لمنجدل في طينته ، و عدة أبي إبراهيم ، و بشارة عيسى بن
مريم .
و عن ابن عباس ، قال : إن الله فضل محمداً صلى الله عليه و سلم على أهل السماء ، و
على الأنبياء صلوات الله عليهم ، قالوا : فما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله
تعالى قال لأهل السماء : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي
الظالمين [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية : 29 ] .
و قال لمحمد صلى الله عليه و سلم : إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما
تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 1،2 ] .
قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : إن الله تعالى قال وما أرسلنا من رسول إلا
بلسان قومه [ سورة إبراهيم /14 ، الآية : 4 ] .
و قال لمحمد : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ سورة سبأ /34 ، الآية : 28 ] .
و عن خالد بن معدان أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : يا
رسول الله ، أخبرنا عن نفسك .
و قد روى نحوه عن أبي ذر ، و شداد بن أوس ، و أنس بن مالك ، فقال : نعم ، أنا دعوة
أبي إبراهيم ـ يعني قوله : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم . و بشرى عيسى . و رأت أمي
حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ، و استرضعت في بني
سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذا جاءني رجلان عليهما
ثياب بيض .
و في حديث آخر : ثلاثة رجال بطست من ذهب مملوءة ثلجاً ، و أخذاني فشقا بطني .
قال في غير هذا الحديث : من نحري إلى مراق بطني ، ثم استخرجا منه قلبي ، فشقاه ،
فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي و بطني بذلك الثلج حتى أنفياه .
قال في حديث آخر : ثم تناول أحدهما شيئاً فإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر
دونه ، فختم به قلبي ، فامتلأ إيماناً و حكمة ، ثم أعاده مكانه ، و أمر الآخر يده
على مفرق صدري فالتأم .
و في رواية : إن جبريل قال : قلب و كيع ، أي سديد ، فيه عينان تبصران ، و أذنان
سميعتان ، ثم قال أحدهما [51 ] لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني فرجحتهم ، ثم
قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ،
فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : دعه عنك ، فلو وزنته بأمته لوزنها .
قال في الحديث الآخر : ثم ضموني إلى صدورهم ، و قبلوا رأسي ، و ما بين عيني ، ثم
قالوا : يا حبيب ، لم ترع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك .
و في بقية هذا الحديث من قولهم : ما أكرمك على الله ! إن الله معك و ملائكته .
قال في حديث أبي ذر : [ فما هو إلا أن و لياً عني ، فكأنما أرى الأمر معاينة ] .
و حكى أبو محمد مكي ، و أبو الليث السمر قندي و غيرهما ـ أن آدم عند معصيته قال :
[ اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي ] .
و يروى : تقبل توبتي . فقال له الله : [ من أين عرفت محمداً ؟ فقال : رأيت في كل
موضع من الجنة مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ] .
و يروى : محمد عبدي و رسولي ، فعلمت أنه اكرم خلقك عليك ، فتاب الله عليه ، و غفر
له .
و هذا عند قائله تأويل قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .
و في رواية الأجري قال : فقال آدم ، لما خلقتني ر فعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه
مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدراً عندك ممن
جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : و عزتي و جلالي ، إنه لآخر النبين من ذريتك
و لولاه ما خلقتك .
قال : و كان آدم يكنى بأبي محمد ، و قيل بأبي البشر .
و روي عن سريج بن يونس أنه قال : إن لله ملائكة سياحين عيادتها كل دار فيها أحمد ،
أو محمد ، إكراماً منهم لمحمد صلى الله عليه و سلم .
و روى ابن قانع القاضي ، عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله
، أيدته بعلي .
وفي التفسير ، عن ابن عباس ـ في قوله تعالى : وكان تحته كنز لهما ـ .
قال : لوح من ذهب فيه مكتوب : عجباً لمن أيقن بالقدر كيف ينصب ! عجباً لمن أيقن
بالنار كيف يضحك ! عجباً لمن رأى الدنيا و تقبلها بأهلها كيف يطمئن إليها ! أنا
الله ، لا إله إلا أنا ، محمد عبدي و رسولي .
و عن ابن عباس : على باب الجنة مكتوب : إني أنا الله ، لا إله إلا أنا ، محمد رسول
الله ، لا أعذب من قالها .
و ذكر أنه وجد على الحجارة القدي مة مكتوب : محمد تقي مصلح ، و سيد أمين .
و ذكر السمنطاري أنه شاهد في بعض بلاد خراسان مولوداً ولد على أحد جنبيه مكتوب :
لا إله إلا الله ، و على الآخر : الله رسول الله .
و ذكر الأخباريون أن ببلاد الهند ورداً أحمر مكتوباً عليه بالأبيض : لا إله إلا
الله ، محمد رسول الله .
و روي عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا ليقم من
اسمه محمد ، فليدخل الجنة لكرامة اسمه عليه السلام .
و روى أبن القاسم في سماعه ، و ابن وهب في جامعه ، عن مالك : سمعت أهل مكة يقولون
: ما من بيت فيه اسم محمد إلا قد وقوا .
و عنه عليه السلام : ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد و محمدان و ثلاثة .
و عن عبد الله بن مسعود : إن الله نظر إلى قلوب العباد ، و اختار منها قلب محمد
عليه السلام ، فاصطفاه لنفسه ، فبعثه برسالته .
و حكى النقاش أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت : وما كان لكم أن تؤذوا رسول
الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ـ قام خطيباً
، فقال يا معشر أهل الإيمان ، إن الله تعالى فضلني عليكم تفضيلا ، و فضل نسائي علىنسائكم
تفضي لا ... الحديث .
ورد من صحيح الأخبار و مشهورها ـ بعظيم قدره عند ربه و منزلته ، و ما خصه به في
الدارين من كرامته صلى الله عليه و سلم
لا
خلاف أنه أكرم البشر ، و سيد ولد آدم ، و أفضل الناس منزلة عند الله و أعلاهم درجة
، و اقربهم زلفى .
و اعلم أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً ، و قد اقتصرنا منها على صحيحها و
منتشرها و حصرنا معاني ما ورد منها في اثني عشر فصلاً :
فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه ، و الاصطفاء ، و رفعه الذكر ، و التفضيل و سيادة ولد
آدم ، و ما خصه به في الدنيا من مزايا الرتب وبركة اسمه الطيب
131
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد العدل إذناً بلقظه ، قال : حدثنا أبو
الحسن الفرغاني ، حدستنا أم القاسم بنت أبي بكر بن يعقوب ، عن أبيها ، قال : حدثنا
حاتم ـ هو ابن عقيل ، عن يحيى ـ هو ابن إسماعيل ، عن يحيى الحماني ، قال : حدثنا
قيس ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : إن الله قسم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسماً ، فذلك قوله :
أصحاب اليمين ، و أصحاب الشمال ، فأنا من أصحاب اليمين ، و أ نا خير أصحاب اليمين
.
ثم جعل القسمين أثلاثاً ، فجعلني في خيرها ثلثاً ، و ذلك قوله تعالى : فأصحاب
الميمنة . و أصحاب المشأمة ، و السابقون السابقون ، فأن من السابقون ، و أنا خير
السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، و ذلك قوله : وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر .
ثم جعل القبائل بيوتاً ، فجعلني من خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى : إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 33
] .
و عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قالو : يا رسول الله ، متى و جبت لك النبوة
؟
قال : و آدم بين الروح و الجسد .
و عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اصطفى من
ولد إبراهيم و إسماعيل . واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، و اصطفى من بني كنانة
قريشاً ، و اصطفى من قريش بني هاشم ، و اصطفاني من بني هاشم .
و من حديث أنس : أنا أكرم ولد آدم على ربي و لا فخر .
و في حديث ابن عباس : أنا أكرم الأولين و ال أخرين و لا فخر .
و عن عائشة ، عنه عليه السلام : أتاني جبريل ، فقال :قلبت مشارق الأرض و مغاربها
فلم أر رجلاً أفضل من محمد ، و لم أر بني أب أفضل من بني هاشم .
و عن أنس : أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى بالبراق ليلة أسري به ، فاستصعب عليه
، فقال له جبريل : بمحمد تفعل [54 ] هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فارفض
عرقاً
و عن ابن عباس ، عنه عليه السلام : لما خلق الله آدم أهبطني في صلبه إلى الأرض ، و
جعلني في صلب نوح في السفينة ، و قذف بي في النار في صلب إبراهيم ، ثم لم يزل
ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا
علىسفاح قط .
و إلى هذا أشار العباس بن المطلب رضي الله عنه بقوله :
من قبلها طبت في الظلال و في مستودع حيث يخصف
الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت و لا مضغة و لا
علق
بل نطفة تركب السفين و قد ألجم نسراً و أهله
الغرق
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
في يعض النسخ أبيات أخر ، و هي قوله :
حتى احتوى بيتك المهين من خندف علياء تحتها
النطق
و أنت لما و لدت أشرقت ال أرض و ضاءت بنورك
الأفق
فنحن في ذلك الضياء و في الن ور و سبل الرشاد
نخترق
يا برد نار الخليل يا سبباً لعصمة النار و هي
تحترق
[ النطق : أوسط الجبال العالية ] .
و روى عنه صلى الله عليه و سلم ، أبو ذر ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو هريرة ،
و جابر ابن عبد الله ـ أنه قال : أعطيت خمساً ـ و في بعضها ـ ستاً لم يعطهن نبي
قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، و جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً ، و أيما رجل من
أمتي أدركته الصلاة فليصل ، و أحلت لي الغنائم ، و لم تحل لنبي قبلي ، و بعث إلى
الناس كافة ، و أعطيت الشفاعة .
و في رواية ـ بدل هذه الكلمة : و قيل لي : سل تعطه .
و في رواية أخرى : و عرض علي أمتي فلم يخف علي التابع من المتبوع .
و في رواية : بعثت إلى الأحمر و الأسود .
و قيل : السود : العرب ، لأن الغالب على ألوانهم الأدمة ، فهم من السود . و الحمر
: العجم .
و قيل : البيض و السود من الأمم .
و قيل : الحمر : الأنس . و السود : الجن .
و في الحديث الآخر ـ عن أبي هريرة : نصرت بالرعب ، و أتيت جوامع الكلم ، و بينا
أنا نائ م إذا جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي .
و في رواية ـ عنه : و ختم بي النبيون .
و عن عقبة بن عامر أنه قال : قال عليه السلام : إني فرط لكم ، و أنا شهيد عليكم .
و إني و الله لأنظر إلى حوضي الآن ، و إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض . و إني ـ
و الله ـ ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، و لكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها .
و عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أنا محمد النبي
الأمي ، لا نبي بعدي ، أوتيت جوامع الكلم و خواتمه ، و علمت خزنة النار و حملة
العرش .
و عن ابن عمر : بعثت بين يدي الساعة .
و من رواية ابن وهب ـ أنه عليه السلام قال : قال الله تعالى : سل يا محمد . فقلت :
ما أسأل يا رب ؟ اتخذت إبراهيم خليلاً ، و كلمت موسى تكليماً ، و اصطفيت نوحاً ، و
أعطيت سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فقال الله تعالى : ما أعطيتك خير من
ذلك ، أعطيتك الكوثر ، و جعلت اسمك مع اسمي ، ينادى به في جوف السماء ، و جعلت
الأرض طهوراً لك ، ولأمتك ، و غفرت لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ، فأنت تمشي في
الناس مغفوراً لك شفاعتك ، و لم أصنع ذلك لأحد قبلك ، و جعلت قلوب أمتك مصاحفها ،
و خبأت لك شفاعتك ، و لم أخبأها لنبي غيرك .
و في حديث آخر : رواه حذيفة : بشرني ـ يعني ربه : أول من يدخل الجنة و معي من أمتي
[ 55 ] سبعون ألفاً ، مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ، و أعطاني ألا تجوع
أمتي و لا تغلب ، و أعطاني النصر و العزة و الرعب يسعى بين يدي أمتي شهراً ، و طيب
لي و لأمتي المغانم ، و أحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا ، و لم يجعل علينا في
الدين من حرج .
و عن أبي هريرة ، عنه عليه السلام : ما من نبي من الأنبياء إلا و قد أعطي من
الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، و إنما كان الذي أوتيت و حياً أوحى الله إلي ،
فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة .
معنى هذا عند المحققين بقاء معجزته ما بقيت الدنيا ، و سائر معجزات الأنبياء ذهبت
للحين ، و لم يشاهدها إلا الحاضر لها ، و معجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن
عياناً لا خبراً إلى القيامة .
و فيه كلام يطول هذا نخبته . و قد بسطنا القول فيه ، و فيما ذكر فيه سوى هذا آخر
باب المعجزات .
و عن علي رضي الله عنه : كل نبي أعطي سبعة نجباء ، و أعطي نبيكم صلى الله عليه و
سلم أربعة عشر نجيباً ، م نهم أبو بكر ، و عمر ، و ابن مسعود ، و عمار .
و قال صلى الله عليه و سلم : إن الله قد حبس عن مكة الفيل ، و سلط عليها رسوله و
المؤمنين ، و إنها لا تحل لأحد بعدي ، و إنما أحلت لي ساعة من نهار .
و عن العرباض بن سارية : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إني عبد الله
و خاتم النبيين ، و إن آدم لمنجدل في طينته ، و عدة أبي إبراهيم ، و بشارة عيسى بن
مريم .
و عن ابن عباس ، قال : إن الله فضل محمداً صلى الله عليه و سلم على أهل السماء ، و
على الأنبياء صلوات الله عليهم ، قالوا : فما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله
تعالى قال لأهل السماء : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي
الظالمين [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية : 29 ] .
و قال لمحمد صلى الله عليه و سلم : إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما
تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 1،2 ] .
قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : إن الله تعالى قال وما أرسلنا من رسول إلا
بلسان قومه [ سورة إبراهيم /14 ، الآية : 4 ] .
و قال لمحمد : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ سورة سبأ /34 ، الآية : 28 ] .
و عن خالد بن معدان أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : يا
رسول الله ، أخبرنا عن نفسك .
و قد روى نحوه عن أبي ذر ، و شداد بن أوس ، و أنس بن مالك ، فقال : نعم ، أنا دعوة
أبي إبراهيم ـ يعني قوله : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم . و بشرى عيسى . و رأت أمي
حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ، و استرضعت في بني
سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذا جاءني رجلان عليهما
ثياب بيض .
و في حديث آخر : ثلاثة رجال بطست من ذهب مملوءة ثلجاً ، و أخذاني فشقا بطني .
قال في غير هذا الحديث : من نحري إلى مراق بطني ، ثم استخرجا منه قلبي ، فشقاه ،
فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي و بطني بذلك الثلج حتى أنفياه .
قال في حديث آخر : ثم تناول أحدهما شيئاً فإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر
دونه ، فختم به قلبي ، فامتلأ إيماناً و حكمة ، ثم أعاده مكانه ، و أمر الآخر يده
على مفرق صدري فالتأم .
و في رواية : إن جبريل قال : قلب و كيع ، أي سديد ، فيه عينان تبصران ، و أذنان
سميعتان ، ثم قال أحدهما [51 ] لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني فرجحتهم ، ثم
قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ،
فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : دعه عنك ، فلو وزنته بأمته لوزنها .
قال في الحديث الآخر : ثم ضموني إلى صدورهم ، و قبلوا رأسي ، و ما بين عيني ، ثم
قالوا : يا حبيب ، لم ترع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك .
و في بقية هذا الحديث من قولهم : ما أكرمك على الله ! إن الله معك و ملائكته .
قال في حديث أبي ذر : [ فما هو إلا أن و لياً عني ، فكأنما أرى الأمر معاينة ] .
و حكى أبو محمد مكي ، و أبو الليث السمر قندي و غيرهما ـ أن آدم عند معصيته قال :
[ اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي ] .
و يروى : تقبل توبتي . فقال له الله : [ من أين عرفت محمداً ؟ فقال : رأيت في كل
موضع من الجنة مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ] .
و يروى : محمد عبدي و رسولي ، فعلمت أنه اكرم خلقك عليك ، فتاب الله عليه ، و غفر
له .
و هذا عند قائله تأويل قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .
و في رواية الأجري قال : فقال آدم ، لما خلقتني ر فعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه
مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدراً عندك ممن
جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : و عزتي و جلالي ، إنه لآخر النبين من ذريتك
و لولاه ما خلقتك .
قال : و كان آدم يكنى بأبي محمد ، و قيل بأبي البشر .
و روي عن سريج بن يونس أنه قال : إن لله ملائكة سياحين عيادتها كل دار فيها أحمد ،
أو محمد ، إكراماً منهم لمحمد صلى الله عليه و سلم .
و روى ابن قانع القاضي ، عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله
، أيدته بعلي .
وفي التفسير ، عن ابن عباس ـ في قوله تعالى : وكان تحته كنز لهما ـ .
قال : لوح من ذهب فيه مكتوب : عجباً لمن أيقن بالقدر كيف ينصب ! عجباً لمن أيقن
بالنار كيف يضحك ! عجباً لمن رأى الدنيا و تقبلها بأهلها كيف يطمئن إليها ! أنا
الله ، لا إله إلا أنا ، محمد عبدي و رسولي .
و عن ابن عباس : على باب الجنة مكتوب : إني أنا الله ، لا إله إلا أنا ، محمد رسول
الله ، لا أعذب من قالها .
و ذكر أنه وجد على الحجارة القدي مة مكتوب : محمد تقي مصلح ، و سيد أمين .
و ذكر السمنطاري أنه شاهد في بعض بلاد خراسان مولوداً ولد على أحد جنبيه مكتوب :
لا إله إلا الله ، و على الآخر : الله رسول الله .
و ذكر الأخباريون أن ببلاد الهند ورداً أحمر مكتوباً عليه بالأبيض : لا إله إلا
الله ، محمد رسول الله .
و روي عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا ليقم من
اسمه محمد ، فليدخل الجنة لكرامة اسمه عليه السلام .
و روى أبن القاسم في سماعه ، و ابن وهب في جامعه ، عن مالك : سمعت أهل مكة يقولون
: ما من بيت فيه اسم محمد إلا قد وقوا .
و عنه عليه السلام : ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد و محمدان و ثلاثة .
و عن عبد الله بن مسعود : إن الله نظر إلى قلوب العباد ، و اختار منها قلب محمد
عليه السلام ، فاصطفاه لنفسه ، فبعثه برسالته .
و حكى النقاش أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت : وما كان لكم أن تؤذوا رسول
الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ـ قام خطيباً
، فقال يا معشر أهل الإيمان ، إن الله تعالى فضلني عليكم تفضيلا ، و فضل نسائي علىنسائكم
تفضي لا ... الحديث .