الكتاب : فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني
هدي الساري مقدمة فتح الباري
المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ) المحقق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي الناشر : دار الفكر ( مصور عن الطبعة السلفية ) مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية http://www.raqamiya.org [متن صحيح البخاري مشكول وترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بتعليقات الشيخ ابن باز وحواشي محب الدين الخطيب ، وعقب كل حديث أطرافه كما ذكرها محمد فؤاد عبد الباقي] |
مقدمة
...
هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري
الاسم المختصر: مقدمة فتح الباري
اسم المؤلف: أبو الفضل للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم العلامة الرباني حجة الإسلام رحلة الطالبين عمدة المحدثين
زين المجالس فريد عصره ووحيد دهره محيى السنة الغراء قامع أهل البدع والأهواء
الشهاب الثاقب أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي العسقلاني الشهير
بابن حجر أثابه الله الجنة بمنه وكرمه أمين.
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لأتباعها وارتاحت لسماعها
وأمات نفوس أهل الطغيان بالبدعة بعد أن تمادت في نزاعها وتغال في ابتداعها وأشهد
أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له العالم بانقياد الأفئدة وامتناعها المطلع على
ضمائر القلوب في حالتي افتراقها واجتماعها وأشهد أن محمد عبده ورسوله الذي انخفضت
بحقه كلمة الباطل بعد ارتفاعها واتصلت بإرساله أنوار الهدى وظهرت حجتها بعد
انقطاعها صلى الله عليه وسلم ما دامت السماء والأرض هذه في سموها وهذه في اتساعها
وعلى آله وصحبه الذين كسروا جيوش المردة وفتحوا حصون قلاعها وهجروا في محبة داعي
إلى الله الأوطار والأوطان ولم يعاودها بعد وداعها وحفظوا على أتباعهم أقواله
وأفعاله وأحواله حتى أمنت بهم السنن الشريفة من ضياعها
أما بعد. فإن أولى ما صرفت فيه نفائس الأيام وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام الاشتغال
بالعلوم الشرعية المتلقاة عن خير البرية ولا يرتاب عاقل في أن مدارها على كتاب
الله المقتفى وسنة نبيه المصطفى وأن باقي العلوم إما آلات لفهمهما وهي الضالة
المطلوبة أو أجنبية عنهما وهي الضارة المغلوبة وقد رأيت الإمام أبا عبد الله
البخاري في جامعه الصحيح وقد تصدى للاقتباس من أنوارهما البهية تقريرا واستنباطا
وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا ورزق بحسن نيته السعادة فيما جمع حتى
أذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في التصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق وقد
استخرت الله تعالى في أن أضم إليه نبذا شارحة لفوائده موضحة لمقاصده كاشفة عن
مغزاه في تقييد أوابده واقتناص شوارده وأقدم بين يدي ذلك كله مقدمة في تبيين
قواعده وتزيين فرائده جامعة وجيزة دون الإسهاب وفوق القصور سهلة المأخذ تفتح المستغلق
وتذلل الصعاب وتشرح الصدور وينحصر القول فيها إن شاء الله تعالى في عشرة فصول
الأول : في بيان السبب الباعث له على تصنيف هذا الكتاب
الثاني : في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه والكلام على تحقيق شروطه وتقرير كونه
من أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي ويلتحق به الكلام على تراجمه البديعة
المنال المنيعة المثال التي انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه واشتهر بتحقيقه لها عن
قرنائه
الثالث : في بيان الحكمة في تقطيعه للحديث واختصاره وفائدة
إعادته للحديث وتكراره
الرابع : في بيان السبب في إيراده الأحاديث المعلقة والآثار الموقوفة مع أنها
تباين أصل موضوع الكتاب وألحقت فيه سياق الأحاديث المرفوعة المعلقة والإشارة لمن
وصلها على سبيل الاختصار
الخامس : في ضبط الغريب الواقع في متونه مرتبا له على حروف المعجم بألخص عبارة
وأخلص إشارة لتسهل مراجعته ويخف تكراره
السادس : في ضبط الأسماء المشكلة التي فيه وكذا الكنى والأنساب وهي على قسمين
الأول المؤتلفة والمختلفة الواقعة فيه حيث تدخل تحت ضابط كلى لتسهل مراجعتها ويخف
تكرارها وما عدا ذلك فيذكر في الأصل والثاني المفردات من ذلك
السابع : في تعريف شيوخه الذين أهمل نسبهم إذا كانت يكثر اشتراكها كمحمد لا من يقل
اشتراكه كمسدد وفيه الكلام على جميع ما فيه من مهمل ومبهم على سياق الكتاب مختصرا
الثامن : في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره
من النقاد والجواب عنها حديثا حديثا وإيضاح أنه ليس فيها ما يخل بشرطه الذي حققناه
التاسع : في سياق أسماء جميع من طعن فيه من رجاله على ترتيب الحروف والجواب عن ذلك
الطعن بطريق الإنصاف والعدل والاعتذار عن المصنف في التخريج لبعضهم ممن يقوي جانب
القدح فيه أما لكونه تجنب ما طعن فيه بسببه وأما لكونه أخرج ما وافقه عليه من هو
أقوى منه وأما لغير ذلك من الأسباب
العاشر : في سياق فهرسة كتابه المذكور بابا بابا وعدة ما في كل باب من الحديث ومنه
تظهر عدة أحاديثه بالمكرر أوردته تبعا لشيخ الإسلام أبي زكريا النووي رضي الله عنه
تبركا به ثم أضفت إليه مناسبة ذلك مما استفدته من شيخ الإسلام أبي حفص البلقيني
رضي الله عنه ثم أردفته بسياق أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم كتابه مرتبا لهم
على الحروف وعد ما لكل واحد منهم عنده من الحديث ومنه يظهر تحرير ما اشتمل عليه
كتابه من غير تكرير ثم ختمت هذه المقدمة بترجمة كاشفة عن خصائصه ومناقبه جامعة
لمآثره ومناقبه ليكون ذكره واسطة عقد نظامها وسرة مسك ختامها فإذا تحررت هذه
الفصول وتقررت هذه الأصول افتتحت شرح الكتاب مستعينا بالفتاح الوهاب فأسوق إن شاء
الله الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية ثم أستخرج ثانيا
ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات
وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك منتزعا كل
ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو
الحسن فيما أورده من ذلك وثالثا أصل ما انقطع من معلقاته وموقوفاته وهناك تلتئم
زوائد الفوائد وتنتظم شوارد الفرائد ورابعا أضبط ما يشكل من جميع ما تقدم أسماء
وأوصافا مع إيضاح معاني الألفاظ اللغوية والتنبيه على النكت البيانية ونحو ذلك
وخامسا أورد ما استفدته من كلام الأئمة مما استنبطوه من ذلك الخبر من الأحكام
الفقهية والمواعظ الزهدية والآداب المرعية مقتصرا على الراجح من ذلك متحريا للواضح
دون المستغلق في تلك المسالك مع الاعتناء بالجمع بين ما ظاهره التعارض مع غيره،
والتنصيص على المنسوخ بناسخة والعام بمخصصه والمطلق بمقيده
والمجمل بمبينه والظاهر بمؤوله والإشارة إلى نكت من القواعد الأصولية ونبذ من
فوائد العربية ونخب من الخلافيات المذهبية بحسب ما اتصل بي من كلام الأئمة واتسع
له فهمي من المقاصد المهمة وأراعى هذا الأسلوب إن شاء الله تعالى في كل باب فإن
تكرر المتن في باب بعينه غير باب تقدم نبهت على حكمة التكرار من غير إعادة له إلا
أن يتغاير لفظه أو معناه فأنبه على الموضع المغاير خاصة فإن تكرر في باب آخر
اقتصرت فيما بعد الأول على المناسبة شارحا لما لم يتقدم له ذكر منبها على الموضع
الذي تقدم بسط القول فيه فإن كانت الدلالة لا تظهر في الباب المقدم إلا على بعد
غيرت هذا الاصطلاح بالاقتصار في الأول على المناسبة وفي الثاني على سياق الأساليب
المتعاقبة مراعيا في جميعها مصلحة الاختصار دون الهذر والإكثار والله أسأل أن يمن
علي بالعون على إكماله بكرمه ومنه وأنه يهديني لما اختلف فيه من الحق بإذنه وأن
يجزل لي على الاشتغال بآثار نبيه الثواب في الدار الأخرى وأن يسبغ علي وعلى من
طالعه أو قرأه أو كتبه النعم الوافرة تترى إنه سميع مجيب.
الفصل الأول: في بيان السبب الباعث لأبي عبد
الله البخاري على تصنيفه الصحيح وبيان حسن نيته في ذلك
...
المقدمة
الفصل الأول: في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيف جامعه الصحيح
وبيان حسن نيته في ذلك
اعلم, علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه
وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال
قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم
وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث
في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار
وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار فأول من جمع ذلك الربيع بن
صبيح1 وسعيد بن أبي عروبة2 وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار
أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من
حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم وصنف أبو محمد
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي
بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن
دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض
الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المائتين
فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف
أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا ثم اقتفى
الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام
أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء ومنهم من صنف
على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة فلما رأى البخاري رضي الله
عنه هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين
ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين فحرك
همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من
أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن
راهويه وذلك فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج
المزي أخبرنا
ـــــــ
1 مجاهد صالح توفي غازيا في بحر السند سنة 160 ودفن في جزيرة. له ترجمة في تهذيب
التهذيب
2 وفاته سنة 156 له ترجمة في ترجمة في تهذيب التهذيب
يوسف بن يعقوب أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور
القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن
نعيم سمعت خلف بن محمد البخاري بها يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول قال أبو
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري كنا عند إسحاق بن راهويه فقال لو جمعتم كتابا
مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع
الجامع الصحيح وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال سمعت البخاري
يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه
فسألت بعض المعبرين فقال لي أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع
الصحيح وقال الحافظ أبو ذر الهروي سمعت أبا الهيثم محمد بن مكي الكشميهني يقول
سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول قال البخاري ما كتبت في كتاب الصحيح حديثا إلا
اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وقال أبو علي الغساني روى عنه أنه قال خرجت الصحيح من
ستمائة ألف حديث وروى الإسماعيلي عنه قال لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما
تركت من الصحيح أكثر قال الإسماعيلي لأنه لو أخرج كل صحيح عنده لجمع في الباب
الواحد حديث جماعة من الصحابة ولذكر طريق كل واحد منهم إذا صحت فيصير كتابا كبيرا
جدا وقال أبو أحمد بن عدي سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول سمعت إبراهيم بن معقل
النسفي يقول سمعت البخاري يقول ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من
الصحيح حتى لا يطول وقال الفربري أيضا سمعت محمد بن أبي حاتم البخاري الوراق يقول
رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في المنام يمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنبي
صلى الله عليه وسلم يمشي فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه وضع البخاري
قدمه في ذلك الموضع وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي سمعت الفربري يقول سمعت نجم بن
فضيل وكان من أهل الفهم يقول فذكر نحو هذا المنام أنه رآه أيضا وقال أبو جعفر
محمود بن عمرو العقيلي لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى
بن معين وعلي بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث
قال العقيلي والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة.