شروط
الصلاة
الشروط التي تتقدم الصلاة ويجب على المصلي أن يأتي بها بحيث لو ترك شيئا
منها تكون صلاته باطلة هي :
( 1 ) العلم بدخول
الوقت ،
ويكفي غلبة الظن ، فمن تيقن أو غلب على ظنه دخول الوقت أبيحت له الصلاة ، سواء كان
ذلك باختيار الثقة ، أو أذان المؤذن المؤتمن ، أو الاجتهاد الشخصي أو أي سبب من
الاسباب التي يحصل بها العلم .
( 1 ) الشرط ما يلزم من عدمه
العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ، كالوضوء للصلاة ، فإنه يلزم من عدمه عدم
الصلاة ولا يلزم من وجوده وجودها ولا عدمها . ( . )
( 2 ) الطهارة من الحدث الاصغر والاكبر لقول الله تعالى : ( يأيها
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وإن كنتم جنبا فاطهروا ) ولحديث ابن عمر رضي الله
عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا
صدقة من غلول ) ( 2 ) رواه الجماعة إلا البخاري .
( 2 ) (
الغلول ) : السرقة من الغنيمة قبل قسمتها . ( . )
( 3 ) طهارة البدن والثوب
والمكان
الذي يصلى فيه من النجاسة الحسية ، متى قدر على ذلك ، فإن عجز عن إزالتها صلى معها
، ولا إعادة عليه . أما طهارة البدن فلحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه ) رواه الدار قطني وحسنه . وعن علي
رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم
لمكان ابنته ، فسأل فقال : ( توضأ واغسل ذكرك ) رواه البخاري وغيره . وروى أيضا عن
عائشة ، أنه صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة : ( اغسلي الدم عنك وصلي ) . وأما
طهارة الثوب ، فلقوله تعالى : ( وثيابك فطهر ( 1 ) ) وعن جابر بن سمرة قال : سمعت
رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي ؟ قال : (
نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله ) رواه أحمد وابن ماجة بسند رجاله ثقات ، وعن
معاوية قال : ( قلت لام حبيبة : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب
الذي يجامع فيه ؟ قالت : نعم إذا لم يكن فيه أذى ) رواه أحمد وأصحاب السنن ، إلا
الترمذي . وعن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم ،
فلما انصرف قال : ( لم خلعتم ) ؟ قالوا رأيناك خلعت فخلعنا ، فقال : ( إن جبريل
أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن
رأى خبثا فليمسحه بالارض ثم ليصل فيهما ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان
وابن خزيمة وصححه . وفي الحديث دليل على أن المصلي إذا دخل في الصلاة وهو متلبس
بنجاسة غير عالم بها أو ناسيا لها ، ثم علم بها أثناء الصلاة ، فإنه يجب عليه
إزالتها ثم يستمر في صلاته ويبني على ما صلى ، ولا إعادة عليه . وأما طهارة المكان
الذي يصلي فيه فلحديث أبي هريرة قال : قام أعرابي فبال في المسجد فقام إليه الناس
ليقعوا به . فقال صلى الله عليه وسلم : ( دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو
ذنوبا ( 1 ) من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه الجماعة إلا
مسلما . قال الشوكاني - بعد أن ناقض أدلة القائلين باشتراط طهارة الثوب - إذا تقرر
ما سقناه لك من الادلة ، وما فيها ، فاعلم أنها لا تقصر عن إفادة وجوب تطهير الثياب
. فمن صلى وعلى ثوبه نجاسة كان تاركا لواجب ، وإما أن صلاته باطلة - كما هو شأن
فقدان شرط الصحة - فلا . وفي الروضة الندية : وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تطهير
الثلاثة : البدن ، والثوب ، والمكان للصلاة ، وذهب جمع إلى أن ذلك شرط لصحة الصلاة
، وذهب آخرون إلى أنه سنة . والحق الوجوب ، فمن صلى ملابسا لنجاسة عامدا فقد أخل
بواجب ، وصلاته صحيحة .
( 1 )
سورة المدثر آية : 4 . ( 2 ) السجل : هو الدلو إذا كان فيه ماء . والذنوب : الدلو
العظيمة الممتلئة ماء
( 4 ) سترة العورة
: لقول
الله تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ( 1 ) والمراد بالزينة ما
يستر العورة ، والمسجد : الصلاة ، أي استروا عورتكم عند كل صلاة . وعن سلمة بن
الاكوع رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله . أفأصلي في القميص ؟ قال : ( نعم زرره
ولو بشوكة ) رواه البخاري في تاريخ وغيره .
( 1 )
سورة الاعراف آية : 31 . ( . )
حد
العورة من الرجل : العورة التي يجب على الرجل سترها عند الصلاة ، القبل والدبر ، أما ما
عداهما من الفخذ والسرة والركبة فقد اختلفت فيها الانظار تبعا لتعارض الاثار فمن
قائل بأنها ليست ومن ذاهب إلى أنها عورة . حجة من يرى أنها عورة : استدل القائلون
بأن السرة والفخذ والركبة ليست بعورة بهذه الاحاديث :
1 - عن عائشة رضي الله عنها :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
جالسا كاشفا عن فخذه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ، ثم
استأذن عمر فأذن له ، وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه . فلما قاموا
قلت : يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما . وأنت على حالك ، فلما استأذن
عثمان أرخيت عليك ثيابك ؟ فقال : ( يا عائشة ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة
لتستحي منه ) رواه أحمد ، وذكره البخاري تعليقا .
2 - وعن أنس : ( أن النبي صلى
الله عليه وسلم يوخ خيبر حسر الازار عن فخذه ، حتى إني لانظر إلى بياض فخذه ) رواه
أحمد والبخاري . قال ابن حزم : فصح أن الفخذ ليست عورة ، ولو كانت عورة لما كشفها
الله عزوجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم من الناس ، في حال
النبوة والرسالة ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره ، وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة
، في حال الصبا وقبل النبوة ، ففي الصحيحين عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره ، فقال له عمه العباس : يا ابن أخي
لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة ؟ قال فحله وجعله على منكبه فسقط مغشيا
عليه ، فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا .
3 - وعن مسلم عن أبي العالية
البراء قال : إن عبد الله ابن الصامت ضرب فخذي وقال : إني سألت أبا ذر فضرب فخذي
كما ضربت فخذك وقال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي
كما ضربت فخذك وقال : ( صل الصلاة لوقتها ) إلى آخر الحديث . قال ابن حزم : فلو
كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله ، من أبي ذر أصلا بيده المقدسة ؟ ولو كانت
الفخذ عورة عند أبي ذر ، لما ضرب عليها بيده ، وكذلك عبد الله بن الصامت وأبو
العالية . وما يستحل لمسلم أن يضرب بيده على قبل إنسان ، على الثياب ولا على حلقة
دبر إنسان على الثياب ، ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب ، البتة
.
4 - ثم ذكر ابن حزم بإسناده إلى
حبير بن الحويرث ، أنه نظر إلى فخذ أبي بكر وقد انكشفت ، وأن أنس بن مالك أتى قس بن
شماس ، وقد حسر عن فخذيه . حجة من يرى أنها عورة : واستدل القائلون بأنها عورة
بهذين الحديثين :
1 - عن محمد بن جحش قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر ،
وفخذاه مكشوفتان فقال ( يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة ) رواه أحمد والحاكم
والبخاري في تاريخه ، وعلقه في صحيحه .
2 - وعن جرهد قال : مر رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشفت فخذي فقال : ( غط فخذيك فإن الفخذ
عورة ) رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وقال : حسن : وذكره البخاري في صحيحه
معلقا . هذا هو ما استدل به كل من الفريقين ، وللناظر في هذا أن يختار أي الرأيين ،
وإن كان الاحوط في الدين أن يستر المصلي ما بين سرته وركبته ما أمكن ذلك . قال
البخاري . حديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط : أي حديث أنس المتقدم أصح إسنادا . حد
العورة من المرأة : بدن المرأة كله عورة يجب عليها ستره ، ما عدا الوجه والكفين قال
الله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) ، أي ولا يظهرن مواضع الزينة ،
إلا الوجه والكفين ، كما جاء ذلك صحيحا عن ابن عباس وابن عمر وعائشة ، وعنها : أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقبل الله صلاة حائض ( 1 ) إلا بخمار ) رواه
الخمسة إلا النسائي ، وصححه ابن خزيمة والحاكم وقال الترمذي : حديث حسن . وعن أم
سلمة : أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أتصلي المرأة في درع ( 2 ) وخمار بغير
إزار ؟ قال : ( إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها ) رواه أبو داود وصحح الائمة
وقفه ( 3 ) . وعن عائشة أنها سئلت . ( في كم تصلي المرأة من الثياب ، فقالت للسائل
: سل علي بن أبي طالب ثم ارجع إلي فأخبرني ، فأتى عليا فسأله فقال : في الخمار
والدرع السابغ . فرجع إلى عائشة فأخبرها فقالت : صدق ) .
( 1 ) (
الحائض ) : أي البالغة ، والخمار غطاء الرأس . ( 2 ) الدرع القميص . ( 3 ) صحح
الائمة وقفه لانه ليس من كلام أم سلمة ومثل هذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله
عليه وسلم .