أصل وضع اللغة
كما هو معروف أن هناك خلاف في كثير من المسائل بين السلف ومخالفيهم من متكلمين وغيرهم في جملة من الأمور.
ومن الملاحظ كذلك أن غالب استدلالات السلف تعتمد على التوقيف بالنقل, بينما استدلالات المتكلمين تعتمد على الاصطلاح والعقل, وبتباين المنهجين تباينت أجوبتهم واختلفوا لذلك.
وفي ضوء هذا المنهج فإن وضع اللغة ينظر في الحكم عليه في ضوء موافقته للكتاب والسنة، فإذا قيل إنه اصطلاحي وخالف بذلك أمور عقدية خالفت الكتاب والسنة فيجب رده ،خاصة إذا كانت هذه المخالفة تفضي إلى مفاسد عظيمة تتعلق بصفات الله جل وعلا.
وإن كان حقاً أخذنا به وعملنا به.
ننظر في ضوء هذا الخلاف في وضع اللغة فإذا لم يكن مخالفاً لما في الكتاب والسنة أخذنا به وإن كان خلاف ذلك رددناه لأنه باطل لا دليل على صحته لمخالفته أصول الاستدلال.
وكما هو معروف أن الحق واحد لا يتعدد. وفي هذا المبحث الذي قدمنا بين يديه ننظر في أصل اللغة هل هو التوقيف أو الاصطلاح.
فنجد أنه قد اختلفت الأقوال في أصل اللغة ومنشأها وهل هي اصطلاحية أو توقيفية أو نشأت وضعية وضعها الإنسان لتدل على ما تدل عليه في حياته كما لو كانت لغة البكم والخرس ثم تطورت وارتقت حتى أصبحت كما نراها اليوم.
يقول الشوكاني في ذلك "اختلف في ذلك على أقوال:
الأول: أن الواضع هو الله سبحانه، وإليه ذهب الأشعري وأتباعه وابن فورك.
الثاني: أن الواضع هو البشر وإليه ذهب أبو هاشم ومن تابعه من المعتزلة.
الثالث: أن ابتداء اللغة وضع بالتعليم من الله سبحانه والباقي بالاصطلاح.
الرابع: أن ابتداء اللغة قد وقع بالاصطلاح والباقي بالتوقيف، وبه قال الأستاذ أبو اسحق الاسفرييني, وقيل إنه قال بالذي قبله.
الخامس: أن نفس الألفاظ دلت على معانيها بذاتها.
السادس: أنه يجوز كل واحد من هذه الأقوال من غير جزم بأحدها ،وبه قال الجمهور كما حكاه صاحب المحصول" [1]
وننقل في هذه المسألة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية, حيث يقول: "إن مبدأ اللغات توقيفية. وأن المراد بالتوقيفية خطاب الله بها, لا تعريفه بعلم ضروري, وهذا الموضع قد تنازع فيه الناس من أصحاب الإمام أحمد وسائر الفقهاء وأهل الحديث والأصول. فقال قوم: إنها توقيفية, وهو قول أبي بكر عبدالعزيز, وطوائف من أصحاب الإمام أحمد وهو قول الأشعري وابن فورك, وغيرهما.
وقال قوم: بعضها توقيفي وبعضها اصطلاحي،وهذا قول طوائف منهم ابن عقيل, وغيره, وقال قوم: يجوز فيها هذا وهذا, ولا نجزم بشيء وهذا قول القاضي أبي يعلي, والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيرهما ولم يقل أنها كلها اصطلاحية إلا طوائف من المعتزلة ومن اتبعهم ورأس هذه المقالة أبو هاشم ابن الجبائي. والذين قالوا أنها توقيفية تنازعوا: هل التوقيف بالخطاب أو بتعريف ضروري أو كليهما؟ فمن قال: إنها توقيفية, وأن التوقيف بالخطاب, فإنه ينبني على ذلك أن يقال: أنها غير مخلوقة لأنها كلها من كلام الله تعالى, لكن نحن نعلم قطعاً أن في أسماء الأعلام ما هو مرتجل وضعه الناس ابتداء فيكون التردد في أسماء الأجناس, وأيضاً: فإن تعليم الله لآدم بالخطاب لا يوجب بقاء تلك الأسماء بألفاظها في ذريته, بل المأثور أن أهل سفينة نوح لما خرجوا من السفينة أعطى كل قوم لغة, وتبلبلت ألسنتهم, وهذه المسألة فيها تجاذب والنزاع فيها بين أصحابنا وسائر أهل السنة يعود إلى نزاع لفظي فيما يتحقق فيه النزاع, وليس بينهم والحمد لله خلاف محقق معنوي. وذلك أن الذي قال الحرف حرف واحد, وأن حروف المعجم ليست مخلوقة, إنما مقصوده بذلك أنها داخلة في كلام الله, وأنها منتزعة من كلام الله وإنها مادة لفظ كلام الله وذلك غير مخلوق وهذا لا نزاع فيه. فأما حرف مجرد فلا يوجد لا في القرآن ولا في غيره, ولا ينطبق بالحرف إلا في ضمن ما يأتلف من الأسماء والأفعال وحروف المعاني, وأما الحروف التي ينطق بها مفرده مثل الألف لام ميم, ونحو ذلك فهي في الحقيقة أسماء الحروف, وإنما سميت حروفاً باسم مسماها, كما يسمى ضرب فعل ماض باعتبارها مسماه, ولهذا لما سأل الخليل أصحابه كيف تنطقون بالزاء من زيد؟ قالوا: نقول "زا" قال: جئتم بالاسم, وإنما يقال "زه".
وليس في القرآن من حروف الهجاء التي هي أسماء الحروف – إلا نصفها, وهي أربعة عشر حرفاً, وهي نصف, أجناس الحروف, نصف المجهورة والمهموسة, والمستعملية والمطبقة, والشديدة والرخوة وغير ذلك من أجناس الحروف.
وهي أشرف النصفين والنصف الآخر لا يوجد في القرآن إلا في ضمن الأسماء أو الأفعال أو حروف المعاني – التي ليست باسم ولا فعل- فلا يجوز أن نعتقد أن حروف المعجم بأسمائها جميعاً موجودة في القرآن لكن نفس حروف المعجم التي هي أبعاض من الكلام موجودة في القرآن, بل قد اجتمعت في آيتين "إحداهما" في آل عمران والثانية في سورة الفتح: " ثم أنزل عليكم من بعد الغم" الآية و"محمد رسول الله" الآية وإنما كان كذلك فمن تكلم بكلام آخر مؤلف من حروف الهجاء فلم ينطق بنفس الحروف التي في لفظ القرآن, وإذا نطق بمثلها وذلك الذي نطق به قد يكون هو أخذه وإذا ابتدأ من لفظ كلام الله تعالى وقد لا يكون حقيقة.[2]
إلى أن قال "وقد قال بعض الفضلاء: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء لكن وقوع الاشتراك والإجمال يضل به كثير من الخلق, كما يهتدي به كثير من الخلق, وهو سبب ضلال هؤلاء الجهال (يعني الذين قالوا بأن كلام الآدميين غير مخلوق, لأنه متوقف بالتعلم بالخطاب من كلام الذي هو غير مخلوق), فإن حجتهم أن الله علم آدم الأسماء كلها, وعلمه البيان, وهو مبني على أن اللغات توقيفية, كقول كثير من الفقهاء من أصحابنا وغيره, وهو قول الأشعري وابن فورك.
لكن التوقيف هل المراد به التكليم, أو التعريف, أو كلاهما؟ هذا فيه نزاع أيضاً.[3]
إلى أن قال: إن اللغات سابقة لكلام عامة المتكلمين, ونطق الناطقين من البشر, وهم تلقوا الأسماء, وحروف الأسماء الموجودة في لغاتهم عمن قبلهم إلى أن ينتهي الأمر إلى أول متكلم بتلك الأسماء المفردة.[4]
وأما من يقول بأن اللغات اصطلاحية فهو يقول أن الألفاظ العربية وضعت أولاً لمعان ثم استعملت بعد ذلك فيها فيجعل لها وضع متقدم على الاستعمال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: (ومن يجعل اللغات اصطلاحية فيدعي أن قوماً من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا, وهذا بكذا, ويجعل هذا عاماً في جميع اللغات. وهذا القول لا نعرف أحداً من المسلمين قاله قبل أبي هاشم بن الجبائي فإنه وأبا الحسن الأشعري كلاهما قرأ على أبي علي الجبائي, لكن الأشعري رجع عن مذهب المعتزلة, وخالفهم في القدر والوعيد, وفي الأسماء والأحكام, وفي صفات الله تعالى وبين تناقضهم وفساد قولهم مما هو معروف عنه. فتنازع الأشعري وأبو هاشم في مبدأ اللغات, فقال أبو هاشم: هي اصطلاحية وقال الأشعري هي توقيفية. ثم خاض الناس بعدهما في هذه المسألة, فقال آخرون بعضها توقيفي, وبعضها اصطلاحي وقال فريق رابع بالوقف. والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب, بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع, وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه المعاني فيما عنوه بها من المعاني.
فإن ادعى مدع أنه يعلم وضعاً يتقدم ذلك, فهو مبطل فإن هذا لم ينقله أحد من الناس, ولا يقال: نحن نعلم ذلك بالدليل, فإنه إن لم يكن اصطلاح, لم يكن الاستعمال. قيل: ليس الأمر كذلك, بل نحن نجد أن الله يلهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضها مراد بعض, وقد سمى ذلك منطقاً, وقولاً في قول سليمان "وعلمنا منطق الطير, وفي قوله (قالت نملة يا أيها النمل) وقوله (يا جبال أوبي معه والطير) وكذلك الآدميون, فالمولود إذا ظهر منه التمييز سمع أبويه أو من يربيه ينطق باللفظ, ويشير إلى المعنى, فصار يفهم أن ذلك اللفظ يستعمل في ذلك المعنى, أي: أراد المتكلم به ذلك المعنى ثم هذا يسمع لفظاً بعد لفظ حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم, بل ولا اوقفوه على معاني الأسماء, وإن كان أحياناً قد يسأل عن مسمى بعض الأشياء فيوقف عليه، كما يترجم للرجل اللغة التي لا يعرفها فيوقف على معاني ألفاظها، وإن باشر أهلها مدة علم ذلك بدون توقيف من أحدهم. نعم قد يضع الناس الاسم لما يحدث مما لم يكن من قبلهم يعرفه فيسميه كما يولد لأحدهم ولد فيسميه أسماً إما منقولاً وإما مرتجلاً، وقد يكون المسمى واحداً لم يصطلح مع غيره، وقد يستوون فيما يسموه، وكذلك قد يحدث للرجل آلة من صناعة، أو يصنف كتاباً، أو يبني مدينة ونحو ذلك، فيسمى ذلك باسم لأنه ليس من الأجناس المعروفة حتى يكون له اسم في اللغة العامة، وقد قال الله تعالى: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) و(قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء). وقال: (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) فهو سبحانه يلهم الإنسان النطق كما يلهم غيره. وهو سبحانه إذا كان قد علم آدم الأسماء كلها، وعرض المسميات على الملائكة، كما أخبر بذلك في كتابه جميع الناس إلى يوم القيامة،وإن تلك اللغات اتصلت إلى أولاده، فلا يتكلمون إلا بها فإن دعوى هذا كذب ظاهر، فإن أدم عليه السلام إنما ينقل عنه بنوه، وقد أغرق الله عام الطوفان جميع ذريته، إلا من في السفينة وأهل السفينة انقطعت ذريتهم إلا أولاد نوح، ولم يكونوا يتكلمون بجميع ما تكلمت به الأمم من بعدهم، فإن (اللغة الواحدة) كالفارسية والعربية والرومية والتركية فيها من الاختلاف والأنواع ما لا يحصيه إلا الله، والعرب أنفسهم لكل قوم لهجات لا يفهمها غيرهم. فكيف يتصور أن ينقل هذا جميعه من أولئك الذين كانوا في السفينة، وأولئك جميعهم لم يكن لهم نسل وإنما النسل لنوح وجميع الناس من أولاده، وهم ثلاثة سام، وحام، ويافث كما قال تعالى (وجعلنا ذريته هم الباقين) فلم يجعل باقياً إلا ذريته وكما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن أولاده ثلاثة، رواه أحمد وغيره.
ومعلوم أن الثلاثة لا يمكن أن ينطقوا بهذا كله، ويمتنع نقل ذلك عنهم فإن الذين يعرفون هذه اللغة لا يعرفون هذه، وإذا كان الناقل ثلاثة، فهم قد علموا أولادهم، وأولادهم علموا أولادهم ولو كان كذلك لاتصلت ، ونحن نجد بني الأب الواحد يتكلم كل قبيلة منهم بلغة لا تعرفها الأخرى والأب واحد لا يقال: أنه علم أحد أبنيه لغة وأبنه الآخر لغة، فإن الأب قد لا يكون له إلا ابنان، واللغات في أولاده أضعاف ذلك...
ثم تكلم شيخ الإسلام بعد ذلك عن أقوال العلماء والمفسرين في الأسماء التي علمها الله آدم فذكر أن للسلف في المسألة قولان يقول:
أحدهما: إنه إنما علمه أسماء من يعقل إذا خرجوا بقوله "ثم عرضهم على الملائكة"قالوا: وهذا الضمير لا يكون إلا لمن يعقل، وما لا يعقل يقال فيها: عرضها. ولهذا قال أبو العالية علمه أسماء الملائكة لأنه لم يكن حينئذ من يعقل إلا الملائكة ولا كان إبليس قد انفصل عن الملائكة ولا كان له ذرية، وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: علمه أسماء ذريته، وهذا يناسب الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن النبي (أن آدم سأل ربه أن يريه صور الأنبياء من ذريته، فرآهم فرأى فيهم من يبص، فقال: يا رب من هذا؟ قال: ابنك داود)[5] فيكون قد أراه صور ذريته أو بعضهم وأسماءهم وهذه أسماء أعلام لا أجناس.
والثاني: أن الله علمه أسماء كل شيء، وهذا هو قول الأكثرين كابن عباس وأصحابه، قال ابن عباس: علمه حتى الفسوة والفسية والقصعة والقصية أراد أسماء الأعراض والأتيان بمكبرها ومصغرها، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث الشفاعة (إن الناس يقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك اله بيده، ونفخ فيك من روحه وعلمك أسماء كل شيء) وأيضاً قوله: (الأسماء كلها) لفظ عام مؤكد، قال يجوز تخصيصه بالدعوى وقوله: (ثم عرضهم على الملائكة) لأنه اجتمع من يعقل ومن لا يعقل، فغلب من يعقل، كما قال (منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) قال عكرمه: علمه أسماء الأجناس دون أنواعها. كقولك: إنسان وجن وملك وطائر. وقال مقاتل، وابن السائب، وابن قتيبة: علمه أسماء ما خلق في الأرض من الدواب والهوام والطير. ومما يدل على أن هذه اللغات ليست ملتقاة عن آدم، أن أكثر اللغات ناقصة عن اللغة العربية، ليس عندهم أسماء خاصة للأولاد والبيوت والأصوات وغير ذلك مما يضاف إلى الحيوان، بل إنما يستعملون في ذلك الإضافة، فلو كان آدم عليه السلام علمه الجميع لعلمها متناسبة. وأيضاً فكل أمة ليس لها كتاب ليس في لغتها أيام الأسبوع ، وإنما يوجد في لغتها اسم اليوم والشهر والسنة، لأن ذلك عرف بالحس والعقل فوضعت له الأمم الأسماء، لأن التعبير يتبع التصور، وأما الأسبوع فلم يعرف إلا بالسمع، لم يعرف أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش إلا بأخبار الأنبياء الذين شرع لهم أن يجتمعوا في الأسبوع يوما يعبدون الله فيه ويحفظون به الأسبوع الأول الذي بدأ الله فيه خلق هذا العالم، ففي لغة العرب والعبرانيين ومن تلقى منهم أيام الأسبوع بخلاف الترك ونحوهم، فإنه ليس في لغتهم أيام الأسبوع لأنهم لم يعرفوا ذلك فلم يعبروا عنه.
فعلم أن الله علم النوع الإنساني أن يعبر عما يريده ويتصوره بلفظه، وإن أول من علم ذلك أبوهم آدم، وهم علموا كما علم وإن اختلفت اللغات وقد أوحى الله إلى موسي بالعبرانية وإلى محمد بالعربية، والجميع كلام الله وقد بين الله بذلك ما أراد من خلقه وأمره، وإن كانت هذه اللغة ليست الأخرى مع أن العبرانية من أقرب اللغات إلى العربية حتى إنها أقرب إليها من لغة بعض العجم إلى بعض....
فبالجملة نحن ليس غرضنا إقامة الدليل على عدم ذلك، بل يكفينا أن يقال هذا غير معلوم وجوده بل الإلهام كاف في النطق باللغات من غير مواضعة متقدمة، وإذا سمى هذا توقيفاً، فليسم توقيفاً، وحينئذ فمن ادعى وضعاً متقدماً على استعمال جميع الأجناس فقد قال ما لا علم له به وإنما المعلوم بلا ريب هو الاستعمال.[6]
والذي عليه الجمهور يشبه الإجماع هو أن اللغة توقيف وإلهام من الله، ولم يقل بالاصطلاح أحد قبل أبي هاشم الجبائي المعتزلي وتعبه عليه بعضهم. [7]
المراجع
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ، ص 12 .
[2] ـ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12/ 446 – 449 ) .
[3] ـ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12/ 451) .
[4] ـ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 485) .
[5] ـ رواه الترمذي ، كتاب تفسير القرآن ( 2/300)
[6] ـ مجموع الفتاوى ( 7 / 90 97 ) .
[7] ـ الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ضمن مجموع الفتاوى ( 7/ 90 ) . وانظر مختصر الصواعق المرسلة ( 2 / 233 ) .
=
كما هو معروف أن هناك خلاف في كثير من المسائل بين السلف ومخالفيهم من متكلمين وغيرهم في جملة من الأمور.
ومن الملاحظ كذلك أن غالب استدلالات السلف تعتمد على التوقيف بالنقل, بينما استدلالات المتكلمين تعتمد على الاصطلاح والعقل, وبتباين المنهجين تباينت أجوبتهم واختلفوا لذلك.
وفي ضوء هذا المنهج فإن وضع اللغة ينظر في الحكم عليه في ضوء موافقته للكتاب والسنة، فإذا قيل إنه اصطلاحي وخالف بذلك أمور عقدية خالفت الكتاب والسنة فيجب رده ،خاصة إذا كانت هذه المخالفة تفضي إلى مفاسد عظيمة تتعلق بصفات الله جل وعلا.
وإن كان حقاً أخذنا به وعملنا به.
ننظر في ضوء هذا الخلاف في وضع اللغة فإذا لم يكن مخالفاً لما في الكتاب والسنة أخذنا به وإن كان خلاف ذلك رددناه لأنه باطل لا دليل على صحته لمخالفته أصول الاستدلال.
وكما هو معروف أن الحق واحد لا يتعدد. وفي هذا المبحث الذي قدمنا بين يديه ننظر في أصل اللغة هل هو التوقيف أو الاصطلاح.
فنجد أنه قد اختلفت الأقوال في أصل اللغة ومنشأها وهل هي اصطلاحية أو توقيفية أو نشأت وضعية وضعها الإنسان لتدل على ما تدل عليه في حياته كما لو كانت لغة البكم والخرس ثم تطورت وارتقت حتى أصبحت كما نراها اليوم.
يقول الشوكاني في ذلك "اختلف في ذلك على أقوال:
الأول: أن الواضع هو الله سبحانه، وإليه ذهب الأشعري وأتباعه وابن فورك.
الثاني: أن الواضع هو البشر وإليه ذهب أبو هاشم ومن تابعه من المعتزلة.
الثالث: أن ابتداء اللغة وضع بالتعليم من الله سبحانه والباقي بالاصطلاح.
الرابع: أن ابتداء اللغة قد وقع بالاصطلاح والباقي بالتوقيف، وبه قال الأستاذ أبو اسحق الاسفرييني, وقيل إنه قال بالذي قبله.
الخامس: أن نفس الألفاظ دلت على معانيها بذاتها.
السادس: أنه يجوز كل واحد من هذه الأقوال من غير جزم بأحدها ،وبه قال الجمهور كما حكاه صاحب المحصول" [1]
وننقل في هذه المسألة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية, حيث يقول: "إن مبدأ اللغات توقيفية. وأن المراد بالتوقيفية خطاب الله بها, لا تعريفه بعلم ضروري, وهذا الموضع قد تنازع فيه الناس من أصحاب الإمام أحمد وسائر الفقهاء وأهل الحديث والأصول. فقال قوم: إنها توقيفية, وهو قول أبي بكر عبدالعزيز, وطوائف من أصحاب الإمام أحمد وهو قول الأشعري وابن فورك, وغيرهما.
وقال قوم: بعضها توقيفي وبعضها اصطلاحي،وهذا قول طوائف منهم ابن عقيل, وغيره, وقال قوم: يجوز فيها هذا وهذا, ولا نجزم بشيء وهذا قول القاضي أبي يعلي, والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيرهما ولم يقل أنها كلها اصطلاحية إلا طوائف من المعتزلة ومن اتبعهم ورأس هذه المقالة أبو هاشم ابن الجبائي. والذين قالوا أنها توقيفية تنازعوا: هل التوقيف بالخطاب أو بتعريف ضروري أو كليهما؟ فمن قال: إنها توقيفية, وأن التوقيف بالخطاب, فإنه ينبني على ذلك أن يقال: أنها غير مخلوقة لأنها كلها من كلام الله تعالى, لكن نحن نعلم قطعاً أن في أسماء الأعلام ما هو مرتجل وضعه الناس ابتداء فيكون التردد في أسماء الأجناس, وأيضاً: فإن تعليم الله لآدم بالخطاب لا يوجب بقاء تلك الأسماء بألفاظها في ذريته, بل المأثور أن أهل سفينة نوح لما خرجوا من السفينة أعطى كل قوم لغة, وتبلبلت ألسنتهم, وهذه المسألة فيها تجاذب والنزاع فيها بين أصحابنا وسائر أهل السنة يعود إلى نزاع لفظي فيما يتحقق فيه النزاع, وليس بينهم والحمد لله خلاف محقق معنوي. وذلك أن الذي قال الحرف حرف واحد, وأن حروف المعجم ليست مخلوقة, إنما مقصوده بذلك أنها داخلة في كلام الله, وأنها منتزعة من كلام الله وإنها مادة لفظ كلام الله وذلك غير مخلوق وهذا لا نزاع فيه. فأما حرف مجرد فلا يوجد لا في القرآن ولا في غيره, ولا ينطبق بالحرف إلا في ضمن ما يأتلف من الأسماء والأفعال وحروف المعاني, وأما الحروف التي ينطق بها مفرده مثل الألف لام ميم, ونحو ذلك فهي في الحقيقة أسماء الحروف, وإنما سميت حروفاً باسم مسماها, كما يسمى ضرب فعل ماض باعتبارها مسماه, ولهذا لما سأل الخليل أصحابه كيف تنطقون بالزاء من زيد؟ قالوا: نقول "زا" قال: جئتم بالاسم, وإنما يقال "زه".
وليس في القرآن من حروف الهجاء التي هي أسماء الحروف – إلا نصفها, وهي أربعة عشر حرفاً, وهي نصف, أجناس الحروف, نصف المجهورة والمهموسة, والمستعملية والمطبقة, والشديدة والرخوة وغير ذلك من أجناس الحروف.
وهي أشرف النصفين والنصف الآخر لا يوجد في القرآن إلا في ضمن الأسماء أو الأفعال أو حروف المعاني – التي ليست باسم ولا فعل- فلا يجوز أن نعتقد أن حروف المعجم بأسمائها جميعاً موجودة في القرآن لكن نفس حروف المعجم التي هي أبعاض من الكلام موجودة في القرآن, بل قد اجتمعت في آيتين "إحداهما" في آل عمران والثانية في سورة الفتح: " ثم أنزل عليكم من بعد الغم" الآية و"محمد رسول الله" الآية وإنما كان كذلك فمن تكلم بكلام آخر مؤلف من حروف الهجاء فلم ينطق بنفس الحروف التي في لفظ القرآن, وإذا نطق بمثلها وذلك الذي نطق به قد يكون هو أخذه وإذا ابتدأ من لفظ كلام الله تعالى وقد لا يكون حقيقة.[2]
إلى أن قال "وقد قال بعض الفضلاء: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء لكن وقوع الاشتراك والإجمال يضل به كثير من الخلق, كما يهتدي به كثير من الخلق, وهو سبب ضلال هؤلاء الجهال (يعني الذين قالوا بأن كلام الآدميين غير مخلوق, لأنه متوقف بالتعلم بالخطاب من كلام الذي هو غير مخلوق), فإن حجتهم أن الله علم آدم الأسماء كلها, وعلمه البيان, وهو مبني على أن اللغات توقيفية, كقول كثير من الفقهاء من أصحابنا وغيره, وهو قول الأشعري وابن فورك.
لكن التوقيف هل المراد به التكليم, أو التعريف, أو كلاهما؟ هذا فيه نزاع أيضاً.[3]
إلى أن قال: إن اللغات سابقة لكلام عامة المتكلمين, ونطق الناطقين من البشر, وهم تلقوا الأسماء, وحروف الأسماء الموجودة في لغاتهم عمن قبلهم إلى أن ينتهي الأمر إلى أول متكلم بتلك الأسماء المفردة.[4]
وأما من يقول بأن اللغات اصطلاحية فهو يقول أن الألفاظ العربية وضعت أولاً لمعان ثم استعملت بعد ذلك فيها فيجعل لها وضع متقدم على الاستعمال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: (ومن يجعل اللغات اصطلاحية فيدعي أن قوماً من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا, وهذا بكذا, ويجعل هذا عاماً في جميع اللغات. وهذا القول لا نعرف أحداً من المسلمين قاله قبل أبي هاشم بن الجبائي فإنه وأبا الحسن الأشعري كلاهما قرأ على أبي علي الجبائي, لكن الأشعري رجع عن مذهب المعتزلة, وخالفهم في القدر والوعيد, وفي الأسماء والأحكام, وفي صفات الله تعالى وبين تناقضهم وفساد قولهم مما هو معروف عنه. فتنازع الأشعري وأبو هاشم في مبدأ اللغات, فقال أبو هاشم: هي اصطلاحية وقال الأشعري هي توقيفية. ثم خاض الناس بعدهما في هذه المسألة, فقال آخرون بعضها توقيفي, وبعضها اصطلاحي وقال فريق رابع بالوقف. والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب, بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع, وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه المعاني فيما عنوه بها من المعاني.
فإن ادعى مدع أنه يعلم وضعاً يتقدم ذلك, فهو مبطل فإن هذا لم ينقله أحد من الناس, ولا يقال: نحن نعلم ذلك بالدليل, فإنه إن لم يكن اصطلاح, لم يكن الاستعمال. قيل: ليس الأمر كذلك, بل نحن نجد أن الله يلهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضها مراد بعض, وقد سمى ذلك منطقاً, وقولاً في قول سليمان "وعلمنا منطق الطير, وفي قوله (قالت نملة يا أيها النمل) وقوله (يا جبال أوبي معه والطير) وكذلك الآدميون, فالمولود إذا ظهر منه التمييز سمع أبويه أو من يربيه ينطق باللفظ, ويشير إلى المعنى, فصار يفهم أن ذلك اللفظ يستعمل في ذلك المعنى, أي: أراد المتكلم به ذلك المعنى ثم هذا يسمع لفظاً بعد لفظ حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم, بل ولا اوقفوه على معاني الأسماء, وإن كان أحياناً قد يسأل عن مسمى بعض الأشياء فيوقف عليه، كما يترجم للرجل اللغة التي لا يعرفها فيوقف على معاني ألفاظها، وإن باشر أهلها مدة علم ذلك بدون توقيف من أحدهم. نعم قد يضع الناس الاسم لما يحدث مما لم يكن من قبلهم يعرفه فيسميه كما يولد لأحدهم ولد فيسميه أسماً إما منقولاً وإما مرتجلاً، وقد يكون المسمى واحداً لم يصطلح مع غيره، وقد يستوون فيما يسموه، وكذلك قد يحدث للرجل آلة من صناعة، أو يصنف كتاباً، أو يبني مدينة ونحو ذلك، فيسمى ذلك باسم لأنه ليس من الأجناس المعروفة حتى يكون له اسم في اللغة العامة، وقد قال الله تعالى: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) و(قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء). وقال: (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) فهو سبحانه يلهم الإنسان النطق كما يلهم غيره. وهو سبحانه إذا كان قد علم آدم الأسماء كلها، وعرض المسميات على الملائكة، كما أخبر بذلك في كتابه جميع الناس إلى يوم القيامة،وإن تلك اللغات اتصلت إلى أولاده، فلا يتكلمون إلا بها فإن دعوى هذا كذب ظاهر، فإن أدم عليه السلام إنما ينقل عنه بنوه، وقد أغرق الله عام الطوفان جميع ذريته، إلا من في السفينة وأهل السفينة انقطعت ذريتهم إلا أولاد نوح، ولم يكونوا يتكلمون بجميع ما تكلمت به الأمم من بعدهم، فإن (اللغة الواحدة) كالفارسية والعربية والرومية والتركية فيها من الاختلاف والأنواع ما لا يحصيه إلا الله، والعرب أنفسهم لكل قوم لهجات لا يفهمها غيرهم. فكيف يتصور أن ينقل هذا جميعه من أولئك الذين كانوا في السفينة، وأولئك جميعهم لم يكن لهم نسل وإنما النسل لنوح وجميع الناس من أولاده، وهم ثلاثة سام، وحام، ويافث كما قال تعالى (وجعلنا ذريته هم الباقين) فلم يجعل باقياً إلا ذريته وكما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن أولاده ثلاثة، رواه أحمد وغيره.
ومعلوم أن الثلاثة لا يمكن أن ينطقوا بهذا كله، ويمتنع نقل ذلك عنهم فإن الذين يعرفون هذه اللغة لا يعرفون هذه، وإذا كان الناقل ثلاثة، فهم قد علموا أولادهم، وأولادهم علموا أولادهم ولو كان كذلك لاتصلت ، ونحن نجد بني الأب الواحد يتكلم كل قبيلة منهم بلغة لا تعرفها الأخرى والأب واحد لا يقال: أنه علم أحد أبنيه لغة وأبنه الآخر لغة، فإن الأب قد لا يكون له إلا ابنان، واللغات في أولاده أضعاف ذلك...
ثم تكلم شيخ الإسلام بعد ذلك عن أقوال العلماء والمفسرين في الأسماء التي علمها الله آدم فذكر أن للسلف في المسألة قولان يقول:
أحدهما: إنه إنما علمه أسماء من يعقل إذا خرجوا بقوله "ثم عرضهم على الملائكة"قالوا: وهذا الضمير لا يكون إلا لمن يعقل، وما لا يعقل يقال فيها: عرضها. ولهذا قال أبو العالية علمه أسماء الملائكة لأنه لم يكن حينئذ من يعقل إلا الملائكة ولا كان إبليس قد انفصل عن الملائكة ولا كان له ذرية، وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: علمه أسماء ذريته، وهذا يناسب الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن النبي (أن آدم سأل ربه أن يريه صور الأنبياء من ذريته، فرآهم فرأى فيهم من يبص، فقال: يا رب من هذا؟ قال: ابنك داود)[5] فيكون قد أراه صور ذريته أو بعضهم وأسماءهم وهذه أسماء أعلام لا أجناس.
والثاني: أن الله علمه أسماء كل شيء، وهذا هو قول الأكثرين كابن عباس وأصحابه، قال ابن عباس: علمه حتى الفسوة والفسية والقصعة والقصية أراد أسماء الأعراض والأتيان بمكبرها ومصغرها، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث الشفاعة (إن الناس يقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك اله بيده، ونفخ فيك من روحه وعلمك أسماء كل شيء) وأيضاً قوله: (الأسماء كلها) لفظ عام مؤكد، قال يجوز تخصيصه بالدعوى وقوله: (ثم عرضهم على الملائكة) لأنه اجتمع من يعقل ومن لا يعقل، فغلب من يعقل، كما قال (منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) قال عكرمه: علمه أسماء الأجناس دون أنواعها. كقولك: إنسان وجن وملك وطائر. وقال مقاتل، وابن السائب، وابن قتيبة: علمه أسماء ما خلق في الأرض من الدواب والهوام والطير. ومما يدل على أن هذه اللغات ليست ملتقاة عن آدم، أن أكثر اللغات ناقصة عن اللغة العربية، ليس عندهم أسماء خاصة للأولاد والبيوت والأصوات وغير ذلك مما يضاف إلى الحيوان، بل إنما يستعملون في ذلك الإضافة، فلو كان آدم عليه السلام علمه الجميع لعلمها متناسبة. وأيضاً فكل أمة ليس لها كتاب ليس في لغتها أيام الأسبوع ، وإنما يوجد في لغتها اسم اليوم والشهر والسنة، لأن ذلك عرف بالحس والعقل فوضعت له الأمم الأسماء، لأن التعبير يتبع التصور، وأما الأسبوع فلم يعرف إلا بالسمع، لم يعرف أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش إلا بأخبار الأنبياء الذين شرع لهم أن يجتمعوا في الأسبوع يوما يعبدون الله فيه ويحفظون به الأسبوع الأول الذي بدأ الله فيه خلق هذا العالم، ففي لغة العرب والعبرانيين ومن تلقى منهم أيام الأسبوع بخلاف الترك ونحوهم، فإنه ليس في لغتهم أيام الأسبوع لأنهم لم يعرفوا ذلك فلم يعبروا عنه.
فعلم أن الله علم النوع الإنساني أن يعبر عما يريده ويتصوره بلفظه، وإن أول من علم ذلك أبوهم آدم، وهم علموا كما علم وإن اختلفت اللغات وقد أوحى الله إلى موسي بالعبرانية وإلى محمد بالعربية، والجميع كلام الله وقد بين الله بذلك ما أراد من خلقه وأمره، وإن كانت هذه اللغة ليست الأخرى مع أن العبرانية من أقرب اللغات إلى العربية حتى إنها أقرب إليها من لغة بعض العجم إلى بعض....
فبالجملة نحن ليس غرضنا إقامة الدليل على عدم ذلك، بل يكفينا أن يقال هذا غير معلوم وجوده بل الإلهام كاف في النطق باللغات من غير مواضعة متقدمة، وإذا سمى هذا توقيفاً، فليسم توقيفاً، وحينئذ فمن ادعى وضعاً متقدماً على استعمال جميع الأجناس فقد قال ما لا علم له به وإنما المعلوم بلا ريب هو الاستعمال.[6]
والذي عليه الجمهور يشبه الإجماع هو أن اللغة توقيف وإلهام من الله، ولم يقل بالاصطلاح أحد قبل أبي هاشم الجبائي المعتزلي وتعبه عليه بعضهم. [7]
المراجع
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ، ص 12 .
[2] ـ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12/ 446 – 449 ) .
[3] ـ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12/ 451) .
[4] ـ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 485) .
[5] ـ رواه الترمذي ، كتاب تفسير القرآن ( 2/300)
[6] ـ مجموع الفتاوى ( 7 / 90 97 ) .
[7] ـ الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ضمن مجموع الفتاوى ( 7/ 90 ) . وانظر مختصر الصواعق المرسلة ( 2 / 233 ) .
=